فيلم "الذاكرة" المهمة الأخيرة لقاتل مأجور يعصف به الزهايمر

  • 6/26/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في أفلام الحركة والعنف لطالما تمسك الجمهور العريض بشخصية البطل أو الشخصية الرئيسية الذي من دون شك أنه سوف يمتلك قدرات استثنائية ويتمكن بواسطتها من التغلب على خصومه بسهولة. بالطبع سوف نتحدث هنا عن “توليفة” أو خلطة درامية لطالما وظفتها هوليوود من خلال رموز بارزة مثل روبرت دي نيرو وبروس ويليس وقبلهم تشارلز برونسن وستيف ماكوين وصولا إلى نيكولاس كيج ومات دامون وجاسون ستاثام ومارك واهلبيرغ، وصولا إلى النجم المفضل خلال السنوات الأخيرة البريطاني ليام نيسون. يلعب نيسون في الآونة الأخيرة أدواره بغزارة وغالبا ما تلتقي عند نقطة واحدة هي الانتقام والقاتل المأجور والانخراط في عصابات وما إلى ذلك، وهو لا يشذ عن القاعدة في فيلم “الذاكرة” الذي يعد في نظر أغلب النقاد من بين أفضل أفلامه خلال العامين الأخيرين. يقدم لنا المخرج مارتن كامبيل في هذا الفيلم فكرة وموضوعا ليسا بجديدين، بل إن هنالك إشارات إلى فيلم ذاكرة القاتل إنتاج 2003 للمخرج البلجيكي ايرك لوي، والتحدي الأساس الذي يواجه الشخصية هنا هو ليس مواجهة عصابات والاقتصاص من أعداء وأشرار بل هو تحدي الذاكرة المفقودة. ☚ البطل الدرامي ينتصر لأخلاقياته رغم آثامه الثقال ليخوض رحلة مشوشة ونعيش معه لحظات شعوره بالفشل واللاجدوى والانتصار يواجه أليكس (الممثل ليام نيسون) بوادر مرض الشيخوخة – الزهايمر – وهو ذات المرض الذي أوصل شقيقه الكبير إلى المستشفى، ها هما يسترجعان ذلك الماضي المنطفئ من وجهة الشقيق المنقطع عمّا حوله لكن بالنسبة إلى أليكس فإنها المهمة الأخيرة قبل أن تحيله الذاكرة المشوشة إلى التقاعد عن عمله بوصفه قاتلا مأجورا. يقدم المخرج في بداية الفيلم تعريفا يأتي في إطار الفعل، فمن خلال سلسلة مشاهد تتأسس أمامنا شخصية أليكس القاتل البارع بتسلله إلى إحدى المستشفيات، وهناك يقوم بخنق شخص ما هو هدف لمن استأجر أليكس لمهمة قتله والواقعة تجري أمام أنظار والدة الضحية. صراع العصابات في المكسيك وحيث وجد أليكس لنفسه سوقا رائجة هناك يتسع، ولكن ما سوف يشكل نقطة تحول بالنسبة إليه هي ما يمكن أن نسميه أخلاقيات القاتل المحترف، وهل تتوفر عنده مثل تلك الأخلاقيات وهل تتوفر عنده حدود يتقيد بها. يتأكد ذلك من خلال امتناعه عن قتل فتاة مراهقة لأنها قاصر، يمتنع عن قتلها ولا يكتفي بذلك بل إنه يردع من أمره بالقتل، ليكتشف شبكة تقودها دافانا سيلمان (الممثلة الفاتنة مونيكا بيلوشي) وهي في خريف العمر وقد غزت وجهها التجاعيد وما تزال اللكنة الإيطالية تسيطر على طريقة كلامها. واقعيا إنها شبكة للاعتداء على الفتيات القاصرات من خلال تصويرهن والانتقال بهن إلى ممارسات لا أخلاقية، وهو ما يقاومه أليكس بشدة لكي يجد نفسه وجها لوجه مع قوتين هما العصابات التي يتعامل معها والقادرة على الفتك به وأجهزة الأمن والمباحث الفيدرالية التي قسم كبير منها متورط كالعادة في الفساد والرشوة. لكن الأحداث ما تلبث أن تتحول باتجاه شخصية درامية موازية وهو الضابط فينسنت (الممثل غاي بيرس) وهو الذي يجد نفسه مدافعا بشدة عن مصير الفتاة المراهقة والبحث عن الشبكة التي تدير ذلك النوع من الاتجار بالبشر. ما يلفت النظر خلال ذلك هو المواجهة التي تقع في أكثر من مرة ما بين أليكس والضابط فينسنت، حيث يجدان نفسيهما على مسار واحد فهما يقاومان العصابات المكسيكية من جهة والمباحث الفيدرالية التي تريد تضليل الجميع وصولا إلى قيام أحد عناصرها بقتل الزعيمة دافانا لغرض عدم إفشاء الأسرار التي تمتلكها. التحدي الأساس ليس مواجهة عصابات بل تحدي الذاكرة المفقودة التحدي الأساس ليس مواجهة عصابات بل تحدي الذاكرة المفقودة يتفنن أليكس في مقاربة ضحاياه وكيفية اقتصاصه منهم بل إنه يلجأ إلى وسائل قد لا تخطر على بال الخصم، وبذلك عزز من رصيد شخصيات الجريمة والعنف في القدرة على المناورة والمباغتة، وفي قلب المسارات بشكل مفاجئ، وهو ما سوف يفعله ولكنه لن يكتفي بمجرد الاقتصاص من خصومه بل إنه يضع أمام أجهزة الأمن خارطة طريق شاقة تفتضح من خلالها انحرافات رجال فرض القانون أنفسهم حتى يجد أليكس نفسه محاصرا فعليا ما بين قوتي العصابات وأجهزة الشرطة التي تتعقبه. بالطبع يمضي أليكس في تلك الرحلة المشوشة ونعيش معه لحظات شعوره بالفشل واللاجدوى وصولا إلى إيجاد ولو نقطة ضوء واحدة يمكنه أن يسير باتجاهها في مسار حياته القاتم. ولنعد إلى الشخصية المهددة بذاكرة منطفئة فما يمتلكه أليكس من أدلة مصورة سوف تمحو مكانها تلك الذاكرة المعطلة ونوبات الزهايمر، لكن ما لم يكن في الحسبان أن تتوقد الذاكرة فجأة ويتم العثور على كارت الذاكرة المحمل بالأدلة الفضائحية. يمكن لأليكس في آخر المطاف أن يخرج من المشهد كله في تحوّل إخراجي ملفت للنظر وكذلك في مسار الدراما الفيلمية، فهو البطل الدرامي الذي انتصر لأخلاقياته رغم آثامه الثقال ولكنه لم يكمل الرحلة فها هو مسجى وجسده مثقّب بالرصاص لكي نكمل مع من تبقوا تلك الدراما الفضائحية القاسية التي يذهب ضحاياها أناس من بيئات وأماكن مختلفة.

مشاركة :