يغادر كل عام ما لا يقل عن 3000 مهندس تونسي تونس للعمل في الخارج. سهولة العثور على عمل وراتب محفز من الأسباب الرئيسية لمغادرتهم. نزيف تكافح تونس لمواجهته، لعدم وجود حل ولكن قبل كل شيء استراتيجية، في بلد تحتد فيه الأزمة الاقتصادية. ومن أجل معالجة هذا الوضع، قررت شركة تونسية ناشئة إطلاق تطبيق لربط الشركات الأجنبية والمهندسين التونسيين في مهام قصيرة أو طويلة الأجل؛ كل ذلك دون مغادرة المهندسين لبلدهم الأصلي. مقترحات مغرية كمال سحنون: الدولة التونسية تنفق على تكوين 6500 مهندس، 650 مليارا سنويا، ثم تهديهم الى اقتصاديات دول أخرى إن ترك العائلة والأصدقاء ليس دائما بالبساطة التي قد تتخيلها عندما تختار الهجرة. ومع ذلك، فهو الخيار الذي يتم اتخاذه كل عام من قبل الآلاف من المهندسين أو المبتدئين أو الأطباء الباحثين عن حياة مهنية مستقرة لحياة أفضل. وتعد فرنسا الوجهة الأساسية للمهندسين التونسيين، بسبب القرب الجغرافي والثقافة واللغة وفوق كل شيء معادلة المستويات التعليمية، يعني أن الشركات الفرنسية اليوم لا تتردد في تقديم عروض جذابة. دفعت كل هذه الأسباب معتز بن مدين وفريديريك دي لاهاغ ولوران فورلاني إلى إنشاء منصة مخصصة لربط الشركات والمهندسين تدعى moningenieur.express (مون انجونيور.اكسبراس) وتسمى طريقة العمل هذه “الهجرة عن بعد”. ويقول كبير مسؤولي التسويق في المنصة فورلاني “كمقيمين في تونس لسنوات عديدة وعملنا في مجال تكنولوجيا المعلومات، صدمنا بسبب العدد الكبير من المهندسين الذين يغادرون تونس إلى بلدان أجنبية. يجدون أنفسهم ممزقين عن عائلاتهم وأصدقائهم وبلدهم، فقط لأنهم لم يجدوا وظيفة أو لأن الأجور منخفضة. وبالتالي، تتيح منصتنا للمهندسين من جميع التخصصات العمل في الشركات الأجنبية مع بقائهم في بلدهم”. ومن الواضح أن المصلحة ذات شقين. من ناحية، تجد الشركات حلولا لوظائفها الشاغرة، ومن ناحية أخرى، يمكن للمهندسين العمل براتب يستحق. ورحب عميد المهندسين التونسيين كمال سحنون بهذه المبادرة قائلا “إنها يمكن أن تكون بديلا حقيقيا لهروب المهندسين، فأي مشروع يبقي مهندسينا على التراب التونسي مرحب به. وهذا يدر دخلا سيبقى في تونس وبالتالي سيساهم في تنمية البلاد. وبفضل هذه المداخيل المرتفعة، سيتمكنون من العيش بشكل أفضل ورؤية المستقبل بهدوء أكبر”. ومع انتشار جائحة كوفيد – 19، أصبح العمل عن بعد طريقة شائعة بشكل متزايد للعمل في الشركات، لاسيما في مجال التقنيات الجديدة. وبالتالي، فإن العمل عن بُعد أصبح ظاهرة عصرية ويبدو أنه حل سريع وفعال للعمل. وفيما يتعلق الأمر بتشغيل هذه المنصة، فإن المبدأ بسيط. يقدم المهندس الباحث عن عمل سيرته الذاتية مجانا، كما تقوم الشركات بالتسجيل مجانا ووصف احتياجاتها بدقة، وتطابق خوارزميات خاصة بالمنصة طلبات الشركات على الفور مع الملفات الشخصية المناسبة… كل ما تبقى هو وضع الشركة والمهندس على اتصال حتى انتهاء عقد الخدمة. 20 في المئة من التونسيين غير المهاجرين يرغبون في المغادرة، ولديهم نية الهجرة ويتم إصدار فاتورة للمهندس باليورو وتتيح المنصة للمهندس أن يتقاضى راتبه مباشرة في تونس بالدينار التونسي. وتتقاضى المنصة أجرا بفضل العمولة المتلقاة من الشركة والمهندس. ويمكن أن تكون المهام قصيرة جدا أو متوسطة أو طويلة الأجل، اعتمادا على الطلبات. وتكمن الميزة في رواتب المهندسين التونسيين الذين تقل أسعارهم قليلا عن تلك المستخدمة في أوروبا وخاصة في فرنسا. وبالتالي، يمكن أن يكون moningenieur.express هو الحل لهجرة العقول التي تستمر في إضعاف مجموعة المهندسين المتاحة لتونس. وتتبنى هذه المنصة أيضا الكلمات التي قالتها رئيسة الحكومة نجلاء بودن في منتدى دافوس في مايو الماضي “ليس التدريب الذي نحتاجه فقط كدول نامية، بل هو الاحتفاظ بالمهارات التي ننتجها والتي لها أهمية بالغة بالنسبة إلى تونس”. وقد أوضح بن مدين العضو المؤسس والرئيس التنفيذي للمنصة “أن تكوين قاعدة بيانات ذات جودة عالية خاصة بالمهندسين التونسيين بمختلف اختصاصاتهم ومجالات عملهم يمثل المرحلة الأولى في هذا المشروع الرائد. لذلك ندعو المهندسين التونسيين إلى إدراج سيرهم الذاتية بالمنصة بسرعة كي نتمكن من تكوين أرضية خصبة من الكفاءات الفاعلة تتطابق مع حاجيات المؤسسات الفرنسية. وأذكّر بأن التسجيل بالمنصة مجاني”. وأعلن فريق moningenieur.express أنه قادر على تفعيل أول الاتصالات بين المهندسين التونسيين والشركات الفرنسية ابتداء من هذا الصيف. كما أضاف بن مدين “إن منصتنا فريدة من نوعها في تونس وستمكن المهندسين التونسيين من إثراء تجاربهم عبر احتكاكهم بالمؤسسات الأوروبية ومن الحصول على أجور مجزية دون مغادرة بلادهم وعائلاتهم. نحن متأكدون من أن فرنسا، الشريك الاقتصادي الأول لتونس، ستشجع هذا المشروع الذي يمثل حلا ملائما للمؤسسات الفرنسية وسنتولى لاحقا التعريف بمنصتنا لدى أسواق أوروبية أخرى”. تونس تكون لغيرها Thumbnail أفاد عميد المهندسين التونسيين كمال سحنون بأن 39 ألف مهندس غادروا تونس خلال الـ6 سنوات الأخيرة، أي بمعدل 6500 مهندس سنويا و20 مهندسا يوميا. وقال إن الدولة التونسية تنفق على تكوين 6500 مهندس 650 مليارا سنويا، ثم تهديهم إلى اقتصاديات دول أخرى. وأرجع أسباب هجرة المهندسين إلى أسباب مادية وأخرى معنوية، مشيرا إلى أن تحركات المهندسين خلال السنة الفارطة قوبلت بالهرسلة والإعفاءات. ولفت العميد إلى أنه مر فبراير الماضي عام على توقيع الاتفاق بين رئاسة الحكومة وعمادة المهندسين القاضي بسحب اتفاق الزيادة في المنح الخصوصية على كافة مهندسي المؤسسات والمنشآت العمومية دون استثناء، وقد بدأ التنزيل جزئيا لـ90 مؤسسة ومنشأة عمومية من جملة 247، مؤكدا أن المهندسين لن يتراجعوا عن حقهم وسيناضلون في سبيل ذلك بكل الوسائل المشروعة. وشدد على ضرورة أن تستفيد الدولة التونسية من تجارب دول أخرى كانت في الستينات والسبعينات مشابهة لها على غرار سنغفورة وماليزيا وكوريا، التي ارتكزت في نهضتها على منوال تنموي مبني على اقتصاد المعرفة. وقال سحنون “سنعمل خلال سنة 2022 عبر مجلس علوم الهندسة على تقديم دراسة للحكومة حول المنوال التنموي الجديد يكون المهندس فاعلا فيه ويقدم الإضافة وعوض أن نصدر كفاءاتنا إلى الخارج نصدر منتوجاتهم”. وإضافة إلى تنامي الهجرة غير الشرعية خلال سنوات ما بعد 2011، تعاني تونس في ظل الحكومات المتعاقبة التي تشكلت بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي من ظاهرة جديدة، اسمها هجرة الكفاءات، أو هجرة الأدمغة التونسية إلى البلدان الأوروبية. وتستمرّ هجرة الأدمغة التونسية نحو أوروبا وبلدان الخليج العربي، خصوصا في تخصصات الطب والصيدلة والهندسة. وفي ظل تنامي الظاهرة، دقّت العديد من النقابات المعنية بهذه القطاعات ناقوس الخطر، مؤكدة أنّ تونس قد تواجه خلال السنوات القليلة المقبلة نقصا في الكفاءات. الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وإيطاليا وألمانيا، تعد الوجهة المفضلة لقرابة سبعة أشخاص من أصل عشرة لديهم نية الهجرة فقد تفاقمت وتيرة الظاهرة في سنوات ما بعد الثورة، واحتلّت تونس المرتبة الثانية عربيا بعد سوريا، لناحية هجرة الكفاءات العلمية والنخبة من الأكاديميين. وبلغ عدد المهاجرين خلال السنوات الست الأخيرة، بحسب أحدث الإحصائيات، نحو 95 ألف تونسي، 78 في المئة منهم جامعيون، حسب تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الصادر في نوفمبر 2017، واستقر معظمهم في أوروبا، وبنسبة مهمة في فرنسا وألمانيا ثم كندا. ويعزو متخصصون الأسباب إلى تدني الأجور وعدم توفر المناخ والإمكانيات المناسبة للبحث العلمي في تونس. وتُعَدُّ البطالة أحد أهم أسباب هجرة الأدمغة. ويعاني نحو 4740 مهندسا و1500 طبيب و5000 أستاذ من أصحاب شهادات الدكتوراه، من البطالة. وحذّرت عمادة المهندسين من تفاقم ظاهرة هجرة المهندسين التونسيين، مؤكدة هجرة ما لا يقل عن 10 آلاف مهندس خلال السنوات الأخيرة. ويقول وزير الفلاحة أسامة الخريجي إنّ نحو ثلاثة آلاف مهندس يغادرون تونس سنويا للعمل في الخارج، مشيرا إلى أن عدد المتخرجين سنويا يقدر بنحو 8 آلاف، أي أنّ نحو 30 في المئة يهجرون البلاد، وهذا الرقم مرتفع. ويلاحظ أنّ الأسباب المادية هي أحد أبرز دوافع هجرة المهندسين التونسيين، مضيفا أنّه بعد سنوات عدة يقضيها هؤلاء في الدراسة، لا يحصلون على أجر مناسب. وفي ظل غلاء المعيشة وتزايد أعباء الحياة والتفكير في المستقبل، يهاجر المهندسون التونسيون، خصوصا إذا ما تلقّوا عروضا مغرية في بلدان أخرى. وسترتفع وتيرة هجرة الأدمغة خلال السنوات القادمة مع ما تمثله من أضرار جسيمة للبلاد والاقتصاد. وهذه الظاهرة مردها رغبة الكفاءات والحاملين لشهادات عليا في مغادرة تونس بحثا عن ظروف عمل أحسن وأجور أعلى ومحيط يعترف بقدراتهم ويثمنها. وكشف المسح الوطني للهجرة الدولية في تونس، الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة، بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، عن أن نحو مليون و700 ألف تونسي يرغبون في الهجرة وهو ما يمثل 20 في المئة من التونسيين. وبيّنت المديرة المركزية للإحصائيات الديموغرافية والاجتماعية بالمعهد الوطني للإحصاء نادية الطويهري أن أكثر من 20 في المئة من التونسيين غير المهاجرين يرغبون في المغادرة ولديهم نية الهجرة. وأفضت نتائج المسح إلى أن من لديهم نية الهجرة هم من “فئة الشباب، وتتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، وأعزب ومتعلم وعاطل عن العمل ويقطن بتونس الكبرى أو بالوسط الشرقي أو بالجنوب الشرقي للبلاد. ويعد البحث عن عمل وإيجاد فرص للعيش الكريم من أهم دوافع الهجرة”. وتمثل الدول الأوروبية، لاسيما فرنسا وإيطاليا وألمانيا، الوجهة المفضلة لقرابة سبعة أشخاص من أصل عشرة لديهم نية الهجرة. كما بيّن المسح الوطني للهجرة الدولية في تونس أن 14.3 في المئة من الذين عبروا عن نيتهم في مغادرة البلاد صرحوا بأنهم قاموا بخطوات فعلية للمضي قدما في مشروع الهجرة.
مشاركة :