في مقال الأسبوع الماضي في هذا المكان كان الحديث حول مخاطر الظروف العالمية على سلسلة الإمدادات العالمية التي تعرضت للهزة الأولى مع حالة الإغلاق العالمي بسبب جائحة كورونا، والآن حرب أوكرانيا والتحديات الجيوسياسية العالمية تجعل الأمن الغذائي يتصدر الاهتمام العالمي. هذه الظروف تم التحرك الحكومي لاستيعاب آثارها السريعة، ولكن اعتبارات الأمن الغذائي الوطني، تفرض علينا ضرورة التوجه القوي لتطوير بنية الزراعة المحلية وحل مشاكلها الهيكلية بالذات التسويق الزراعي، والاستفادة من التطورات التقنية والعلمية والتسويقية التي أحدثت نقلات نوعية في الإنتاج والتسويق الزراعي. لذا، عندما يأتي الحديث حول هموم الزراعة، كانت الأمنية المتجددة التي رافقتنا منذ ثلاثة عقود هي ضرورة الاتجاه إلى تعزيز المقومات الفنية والتشريعية التي تعمق وتوسع مكتسبات التنمية الزراعهة التي شهدتها بلادنا، والتي قادت إلى مكتسبات حقيقية في الزراعة والثروة الحيوانية، وما حققته في صناعة الألبان ومنتجاتها والتي تقدم كمنجز نوعي تفخر به بلادنا. والحمد لله أن هذه المكتسبات هي التي أوجدت لبلادنا مصدرًا للأمن الغذائي المعزز للاستقرار الاجتماعي، والذي تفتقده في الظروف الصعبة التي يعيشها العالم، بلادًا تتخللها الأنهار وتتوفر فيها كل مقومات الأمن الغذائي. هذه المكتسبات يجري الآن تعزيزها عبر الآليات والاستراتيجيات الحكومية لإيجاد بيئة مستقرة للزراعة، ولإيجاد صناعات غذائية ترفع القيمة المضافة للزراعة المحلية، والحدث الأهم لتعزيز مكتسبات الزراعة هو الإعلان مؤخرًا عن (تأسيس شركة تسويق المنتجات الزراعية السعودية، لتحفيز الإنتاج الزراعي، وتطوير الصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية، ومضاعفة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي). هذه الشركة سوف تحصل تمويل من صندوق التنمية الزراعية يصل إلى 700 مليون ريال. وزارة البيئة أوضحت، أن فكرة تأسيس شركة للتسويق الزراعي للمنتجات الزراعية السعودية، (تأتي مواكبةً للتطور الذي يشهده القطاع الزراعي في المملكة، حيث تسعى الوزارة إلى رفع الإنتاج، وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي من المحاصيل والمنتجات الزراعية، مؤكدة أن إطلاق شركة مختصة في التسويق الزراعي سيلعب دورًا مهمًا في تحفيز الإنتاج والاستهلاك وتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية). طبقًا لمعلومات الوزارة، الشركة الجديدة تهدف إلى (تمكين الشراكة مع القطاع الخاص، وطرح فرص الاستثمار في القطاع الزراعي، وخلق الفرص الوظيفية، وتقليل سلاسل الإمداد للمنتج الزراعي). والهدف الأهم الذي نتمنى أن يتحقق هو: (رفع هامش ربح المزارعين لضمان جودة المنتجات الزراعية). وأيضًا سوف تعمل على الربط الإلكتروني بين الأسواق والحيازات الزراعية في المملكة، وذلك تحقيقًا لمستهدفات رؤية المملكة 2030. هذه الشركة - إذا تحققت لها القيادة والإدارة الفعالة - ستكون الإضافة الكبرى للقطاع الزراعي، فالظروف العالمية تتطلب عدم التساهل أو التأخر في زحزحة العوائق أمام قيام قطاع تسويق زراعي محترف ومتخصص، فالشأن الغذائي يوضع الآن في أولويات الأمن الوطني للدول، ولا يحتمل التدخلات أو التجاذبات للصلاحيات والمسؤوليات، هو الآن: (ملف سيادي). وإلى جانب التسويق الزراعي الضروري لتنمية الزراعة المحلية، هناك ما يخص التقنيات الزراعية. وهنا نشير إلى مطالبة مجلس الشورى الأسبوع الماضي وزارة البيئة (بالنظر في إعادة مشروع زراعة القمح داخل المملكة؛ باستخدام التقنيات والأنظمة الذكية للري؛ بما يحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي)، ووجّه الشورى، وزارة البيئة والمياه والزراعة بتعظيم الاستفادة من الموارد الداخلية بالاعتماد على المياه المتجددة لتحقيق الأمن الغذائي، ووضع معايير لتحديد مواقع محطات الصرف الصحي؛ لضمان عدم وجود آثار بيئية سلبية على المواقع القريبة منها. وطالب مجلس الشورى، الوزارة بـ(تقييم مستقبل الثروة الحيوانية في ظلِّ ارتفاع أسعار الأعلاف). دعوة المجلس للاهتمام بالتقنيات الزراعية بنيت على التطورات الأخيرة في الزراعة. الخطوات التي اتخذناها قبل عشرين عامًا لأجل ترشيد استخدامات المياه في الزراعة كانت ضرورية. الآن تقنيات الزراعة تطورت وأنتجت آليات وأدوات جديدة فعالة لترشيد المياه وتعظيم الإنتاج. مع الأسف لم نطور ممارساتنا الزراعية للاستفادة من هذه التقنيات. نفس الحال حينما أضعنا الفرصة التاريخية لتطوير تقنيات إنتاج المياه المالحة! الأمر الإيجابي في هذا الجانب المهم لم تهمله وزارة البيئة، ففي إستراتيجيتها الزراعية لديها مشاريع للعمل مع شركائها المحليين والدوليين لتوطين وتبني التقنيات الحديثة الواعدة للاستفادة منها في البرامج التي تستهدف الأمن الغذائي. أيضًا نحتاج معالجة تحديات الصادرات السعودية الزراعية الفائضة عن الحاجة المحلية، وتأثيرات أنظمة التجارة الدولية عليها ومعالجة إغراق الأسواق بالواردات. التحديات الأساسية التي تواجه القطاع الزراعي عديدة، ويمكن تحويلها إلى فرص واعدة للاستفادة من القطاع الزراعي، فتدعيم الأمن الغذائي الوطني يتحقق عبر الاتجاه القوي إلى (الفرصة الذهبية)، أي تنمية الاستثمارات المحلية في الزراعة. أخيرًا، ثمة اقتراح لوزارة الزراعة يخدم هذا التوجه، بالذات بعد التطورات الأخيرة عالميًّا، وهو دراسة جدوى تحويل شركة سالك من الاستثمار الزراعي بالخارج إلى شركة تجارة استيراد وتصدير للمنتوجات الزراعية لتكتمل المنظومة المحققة للأمن الغذائي وتجاوز تحديات وعراقيل الاستثمار الزراعي الخارجي.
مشاركة :