قبل أكثر من أربعين يوماً كنت أعد اللمسات الأخيرة لمقال جديد في تأبين كورونا وانتهائها كجائحة بمشيئة الله وإرادته وفي لحظة غفلة انسقت وراء مشاعري - ولست بنادم - فقررت الوفاء ببعض الواجبات الأسرية التي عطلتها أثناء سنين كورونا فمنحت عقلي إجازة مدفوعة الأجر وحرمته من اتخاذ القرار في ضوء إحساس الجميع بانجلاء الغمة لطول الوقت مما أوهن قبضة السيطرة على المشاعر وتحكيم العقل ولوجود أسباب اتخذتها ذريعة لأتخذ قراري لزيارة مرضى وتقديم واجب العزاء في موتى فبنيت قراري على عاطفتي واتجهت في رحلة إلى الرياض ومنها للخبر استغرقت بضعة أيام ولكني أثناءها شعرت بآلام في الحلق وأعراض إنفلونزا خفيفة وارتفاع غير طبيعي في معدلات سكر الدم مما دعاني لتناول مسكنات ومضاد كنت استخدمها في مثل هذه الحالات وكنت أحسبها إنفلونزا موسمية وعند العودة إلى جدة بادرت بإجراء فحص كورونا وظهرت النتيجة إيجابية مما دفعنا لعزل أنفسنا فورًا حتى لا نتسبب في إلحاق الأذى بالآخرين ومن أهمهم والدتي -حفظها الله - ولن أسهب في وصف تجربتي مع وزارة الصحة ومنسوبيها لا وهنوا ولا ضعفوا، فهم كالمعدن النفيس يزداد بريقاً كلما أمعنت النظر إليه أو جربت قوة لمعانه وكانت آخر تجربة لي معهم بحجز الموعد وكان في غاية السهولة وحدد الموعد في نفس اليوم وظهرت النتيجة بعد بضع ساعات ولكنها كانت إيجابية الإصابة بكورونا. نعم، داهمتني كورونا وأخذتني على حين غرة وحقيقة أن الحذر لا يُنجي من القدر، إلا أن الأخذ بالأسباب من ركائز الشريعة ولذا قال عليه الصلاة والسلام «اعقلها وتوكل». وحاولت الأخذ بالأسباب طوال سني كورونا وبشيء من التطرف مثل عدم التنقّلن بل عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة وبعد الأخذ بالاحتياطات اللازمة واعتزال المناسبات الاجتماعية كافة لكن إرادة الله فوق كل شيء، فالحمد لله على قضائه وقدره، فقد أصبت بكورونا ولكن بفضل الله وما فتح به على البشرية من إيجاد اللقاحات ضدها فهو سبحانه لم يخلق داءً إلا وله دواء علمه من علم وجهله من جهل، ثم بما وفرته لنا الدولة -أعزها الله - من هذه اللقاحات فكانت أعراضها خفيفة بفضل الله ورحمته... قدّر ولطف. وفي المقابل لا يزال الفايروس يتبجح بلا كلل أو ملل أنا موجود ولكنها من حلاوة الروح بحول الله وقوته فهو في الرمق الأخير وسينضم لباقي الأوبئة التي مرت على البشرية ثم تلاشت وأصبحت تاريخًا يُروى وتجارب تكتب وإن كنت أعتقد أنه سيستوطن بعض المناطق ذات البيئة الملائمة له ليصبح من الأمراض الموسمية.
مشاركة :