رغم مرور عقود على رحيله مازالت قصائد أمل دنقل تسكن القلوب المتمردة، وتشعل نار الثورة وحماسة الحرية في كل من يقرأها، إذ لم يكن الشاعر يكتب ذاته فحسب بل يكتب بأصوات الشعوب العربية في زمن مزقتها فيه الدكتاتوريات والصراعات والخسائر، لذا فإن الشاعر أقام علاقة وطيدة بين ذاته والآخر الذي تنتمي إليه ذاته في النهاية، العلاقة بين أنا الشاعر والآخر في تعدده كانت محور دراسة جديدة عن الشاعر المصري. القاهرة- عن تمثُلات “الذات والمجتمع في شعر أمل دنقل”، صدرت في العراق دراسة حديثة للباحثة والناقدة موج يوسف غاصت من خلالها في العوالم الشعرية للشاعر المصري الراحل، وتوقفت بالدراسة والنقد عند الكثير من دواوينه وقصائده ذات الصلة بثنائية الذات والمجتمع. الشاعر المصري أمل دنقل (1940 – 1983) يعد أبرز الشعراء الذين لم ينصاعوا للسلطة، ولم ينساقوا وراء السائد الشعبي والذائقة الجمالية الجمعية، الأمر الذي دفع مجموعاته الشعرية إلى فضاء التمرد على الثوابت والتحرر من القيود الفنية والاجتماعية والسياسية والأيديولوجية، بينما كانت قصائده لسان شعبه وأمته العربية، ومازال صداها يتردد إلى اليوم في المظاهرات الشعبية وللتعبير عن المواقف التحررية. تحولات الشعر العربي موج يوسف توقفت بالدراسة والنقد عند الكثير من دواوين أمل دنقل وقصائده ذات الصلة بثنائية الذات والمجتمع تعود الناقدة إلى نشأة الشعر العربي منذ بدايات الإسلام لرصد ظاهرة الذات والمجتمع في الشعرية العربية، وما مرت به من تحولات لتصل إلى الشعر العربي الحديث وتحديدا إلى أمل دنقل. وقالت الباحثة والناقدة العراقية موج يوسف التي غاصت في دراسة الأنساق الإنسانية واتخذت من أشعار أمل دنقل نموذجا لدراستها، إن “عتبة الشعر العربي تلوّنت ولم تُصبغ بلون واحد”، وأن “الإسلام جاء وغير المجتمع وعاداته، وجعـل أيديولوجيته تدس نفسها في الشعر، فغابت الأنا والذات، وانتقلـت ‘نحن’ من القبلية إلى الإسلامية”. وبحسب الدراسة، غلب على الشعر في بداية الإسلام أنه “مؤدلج، لا فنية عالية فيه، واحتفى بالتقريرية، بينما الشعراء المخضرمون بقي شعرهم محتفظاً بأنفاسه الإبداعية، لكنه بالمقابل غائب عن الذاتية والأنا”. وأضافت الباحثة في دراستها أنه ما إن توسعت رقعة الإسلام، حتى لعب الشعر دوراً اجتماعياً مهماً، وهذا “ما نجده في مرحلة الجهاد في زمن الخليفة الثاني”. ورأت أن “الشعر العربي تناول علاقة الذات بالآخر حبيباً وبالآخر معيقا، علاقة متبادلة بين النقيضين. وانطلاقاً من ذلك، فإن اختلاف الآخر يأتي من اختلاف الذات فيه، مما يشير إلى أن صورة الآخر على هذا الأساس هي عبارة عن مركب من السمات الاجتماعية والنفسية والفكرية والسلوكية التي ينسبها فرد أو جماعة إلى الآخرين الذين هم خارجها”. وطبقا للدراسة، كان الشعر العربي أحد أقطاب الانقسام التي تخلفها الذات مع الآخر “فشخصية الشحاذ والكاذب من جهة وشخصية الفرد المتوحد ذي الأنا المتضخمة النافية للآخر، صارت من السمات في الخطاب الشعري، ومنه تسربت إلى خطابات أخرى، ومن ثم صارت نموذجاً سلوكياً ثقافياً يعاد إنتاجه بما أنه نسق منغرس في الوجدان الثقافي”. وأكدت الباحثة والناقدة موج يوسف في دراستها أنه “ليس بالإمكان أن نفصل الذات عن الآخر، لأن استدعاء الآخر يساعد على استدعاء الذات وبالعكس، ويمكن للآخر أن يتحدد على المستوى الاجتماعي ليبصر من يختلف عن لونه أو دينه أو اهتمامه”. وأضافت “يمكننا القول إن مفهوم الآخر ينطوي في الغالب على فهم جوهري للذات، بمعنى أن الذات هي التي تحدد آخَرَهَا، وترى نفسها هي الأساس الذي تصدر عنه المعايير التي يمكن عن طريقها تحديد من هو الآخر”. مرجعيات الشاعر بحسب الدراسة “اختلف حضور الآخر في الشعر العربي قديماً وحديثا، وكان يرد بصور متعددة، فقد يأتي إنسانا أو حيوانا، لونا أسود أو أبيض، أو عربيا أو أعجميا، أو حاكما وغيرها”. وتناولت الباحثة والناقدة العراقية بالدراسة والبحث حضور الآخر في شعر أمل دنقل، وتوصلت إلى أن الآخر حاضر بشكل مكثف في قصائده، وأنه كان صاحب الفاعلية في المواقف الإيجابية والسلبية، وأعطى موقفاً حاداً للشعر الثوري. وتابعت بالقول إن “الذات وردت في النصوص الشعرية ذاتاً فاعلية، في حين الآخر جاء بالمفعولية”، وإن ذات الشاعر هي التي توجد في الآخر وتستدعيه لحاجتها، لافتة إلى أن العلاقة بين الذات والآخر في نصوص دنقل علاقة قائمة في النصوص على التوازن والتكافؤ في النص. وخلصت الدراسة إلى أن الشاعر أمل دنقل كان يحمل مرجعية ثقافية، كان الحضور الكبير فيها للدين والأسطورة والتاريخ والأدب والتراث العربي القديم والغربي أيضاً، فكانت هذه المرجعيات في أغلب نصوص دنقل عبارة عن رموز استعملها الشاعر ليعبر عن موقـف معين، كما شغلت المرجعيات التوراتية مكانا كبيراً من قصائده، وكانت تحمل أبعاداً سياسية، ولاسيما موقفه من اعتداء اليهود على الأراضي العربية وتحكمهم السياسي في الأمة العربية. الآخر حاضر بشكل مكثف في قصائد أمل دنقل بينما الشاعر هو صاحب الفاعلية في المواقف الإيجابية والسلبية وتناولت فصول الدراسة بالتحليل تمثلات موضوعات عدة في الشعر العربي “شعر أمل دنقل أنموذجا” مثل المضامين الذاتية، والذات والآخر، والذات المقنعة، بجانب المضامين الاجتماعية، والأيديولوجيا المضمرة، والمرجعيات الثقافية والدينية والأسطورية والأدبية والتاريخية. يُذكر أن موج يوسف هي أكاديمية وناقدة عراقية تعمل محاضرة جامعية، كما عملت في عدد من الصحف والمؤسسات العراقية، وهي تمارس الكتابة في مجال النقد الأدبي والثقافي، ولها بحوث منشورة في عدد من الصحف والمجلات والدوريات العراقية والعربية.
مشاركة :