من ذاكرة ثورة العشرين .. درس العارضيات

  • 6/30/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من ذاكرة ثورة العشرين .. درس العارضيات     مارد عبد الحسن الحسون مع كل اطلالة سنوية لها ، تظل ذكرى ثورة العشرين تتجدد بالمزيد من المعاني الوطنية العميقة، واذا كان هذا الارتباط الزمني الوطني يمتد تاريخياً ويتعشق وجدانياً على امتداد الوطن   ، لكن ثمة خصوصية لا يمكن تجاوزها او التعتيم عليها ، واقصد هنا ما يتعلق بمنطقة الفرات الاوسط  الذي كان مسرح العمليات الاوسع في مواجهة قوات الاحتلال البريطاني، كما  لا يمكن تسليط الضوء على تلك الثورة مالم يتم التطرق الى معركة العارضيات اولى معارك ابناء الفرات الاوسط ضد المحتلين بتفاصيلها الموثقة التي اعترفت بها بريطانيا نفسها ضمن وثائق وزارة الخارجية البريطانية تلك الوثائق التي رفعت عنها السرية بعد مضي نصف قرن عليها ،  اذا اخذنا بنظر الاعتبار عدداً  من المؤشرات التي تتضمن معايير عسكرية سوقية عامة  لجهتين متقابلتين غير متكافئتين  من حيث العدة والسلاح والخطط  والنوايا بين مفهومي الاحتلال والتحرير، واذا كان لابد من التفصيل في هذا الجانب فيكفي الاشارة الى مايلي  ، ان قوات الاحتلال البريطاني كانت تتحرك وفق سياقات عسكرية مدروسة وتعتمد معلومات استخبارية مسبقة عن المنطقة في حين ان الثوار الذين اتخذوا من منطقة العارضيات مسرحاً لمعركتهم كانت تحركهم القيمة الوطنية العفوية  ، هذا كان رصيدهم فحسب، وهناك فرق جوهري بين هذين المضمونين العسكريين مع معلومات متواضعة عن مفهوم الحرب وفنونها وما يجب ان تكون عليه. مسافات بعيدة ان الاسلحة التي تمتلكها قوات الاحتلال البريطاني اسلحة مؤثرة في الميدان مع ما تملك من نواظير وكفاءة في وصول العتاد المستخدم الى مسافات بعيدة في حين كان الثوار يعتمدون على معدات بسيطة لا تقاس باي حال من الاحوال بماتملكه القوات الغازية  . ولهذا تأتي قيمة المقارنة في الاهزوجة الشعبية (الطوب احسن لو مگواري). كان لدى قوات الاحتلال فرصة كبيرة من خلال الاحتياطي العسكري الذي تملكه وبذلك تتوفر فرصة تعويض خسائرها كانت متوفرة، ولديها خبرة في فكرة المناورة  والانسحاب اهم مما لدى الثوار. وكذلك عن عمليات فك التطويق العسكري ان قوات الاحتلال كانت تمتلك مجموعة من المستشارين  وعملاء الذين يقدمون المعلومات و الخطط والبدائل حسب الحاجة في حين لا تتوفر مثل هذه القدرة لدى القوات الشعبية العراقية في منطقة العارضيات  ، بل كل مايملكوه قوة تقدير وفق معلومات بعضها غير دقيق  ، وياتي من خلال  القياسات التي تفرزها اجواء المعركة فقط   . لقد جرت مفاوضات بين قيادة قوات الاحتلال وقيادةالثوار من خلال وسطاء وليس وجهاً لوجه  ، وكان الانكليز يصرون على وقف القتال  قبل اي اتفاق ويحاولون بشتى السبل الحصول على المزيد من المعلومات الاستخبارية ومحاولة كسب الوقت لفك الحصار الذي فرضه الثوار بأنتظار وصول الامدادات   ،  في حين لا يتوفر مثل هذا الافق اللوجستي الفاعل للثوار في جميع الاحوال  ، الامر الذي كان هناك تباين بين الامكانيتين  يحسب لصالح قوات الاحتلال  لقد جرت معركة العارضيات في التاسع عشر من تموز عام  1920  ويعني  انها جرت في عز الصيف الوضع الذي فرض المزيد من الاجواء القاسية على الثوار انفسهم ومع ذلك لم يفلح المحتلون  في تأكيد حضورهم السوقي المؤثر على مجرى الاحداث ، ومن هنا ياتي السؤال الجوهري ماالذي جعل الثوار يصمدون ويجبرون العدو على تغيير خططه وتكرار محاولاته الى تحقيق هدنة وتفاوض اذا لم تكن معركة العارضيات بالمستوى الوطني الانتصاري الذي كانت عليه.أن هذا التباين في المعطيات لم يعطِ اية ارجحية سوقية تنفيذية حاسمة لقوات الاحتلال  وذلك يعود بالدرجة الاساس الى ما كان يملكه الثوار معنوياً ميدانياً لمعركة العارضيات  وهكذا يصدق في العلم العسكري ان المعنويات اعظم الاسلحة. ان الدراسات التي تتناول معركة العارضيات يجب ان تنطلق من هذه الزوايا المشار اليها. لقد اعطت معركة العارضيات بالجهد السوقي الشعبي الذي كانت عليه درسا لايجوز اغفاله ،واذا كانت المعركة قد عبرت عن خصوصية شعبية تشاركية ساهم فيها ابناء عشائر بني عارض  والاعاجيب وال بو حسان بالدرجة الاساس فان ابناء عشائر اخرى من عشائر الفرات الاوسط قد سجلوا مواقف بطولية تستحق التقدير حقا ويهمنا ان نشير بالمزيد من التقدير الى دور المراة العراقية الفراتية في دعم الثوار وامدادهم ببعض متطلبات المعركة ميدانيا ومعنويا. ان درسا بليغاً ينبغي ان ينسب الى معركة العارضيات في سياق الدرس الوطني العام لثورة العشرين ، وبالامكان اعادة كتابة حيثيات تلك المعركة في الاطار التحليلي السوقي المرتكز الى قيم البطولة الشعبية الزاخرة في محركاتها الوطنية الكبيرة اسوةً  بما حققته معارك شعبية معروفة في مواجهة قوات الاحتلال في بلدان اخرى، ليس اقلها ما جرى من مقاومة شعبية ضارية ضد النازية وكذلك ماجرى في فيتنام ضد الاحتلال الامريكي، وفي الجزائر  ضد الاحتلال الفرنسي  ، وما جرى وما زال يجري في فلسطين  ضد الاحتلال الاسرائيلي  .

مشاركة :