أحسب ودون مبالغة أن التعامل مع أخطار ظاهرة الإرهاب لا يمثل فقط مسؤولية أخلاقية أمام بلدان العالم الاسلامي بل إن مواجهة التداعيات الخطيرة لهذه الظاهرة الخبيثة التي اضحت تشبه كرة الثلج المتدحرجة هي من المنظور السياسي والأمني والدفاعي واحدة من الضرورات الحتمية وإحدى الأولويات المهمة المترتبة عليها حماية الذات الإسلامية من مفاعيل الاستهداف التي اخذت أبعاداً متطاولة في السنوات الاخيرة من خلال حملات التشويش السياسي والإعلامي التي تظهر هذه الأمة الاسلامية كأمة عاجزة عن التفكير في نفسها وحماية العقيدة التي تدين بها كوحداة تنتمي إلى عالم هو بصدد تجاوز التراتيبية بين مناطق تتقدم نحو الأمام وأخرى غير جديرة على استيعاب تحولات العصر ومعطياته. واحسب في ذات الوقت ان الاعلان عن قيام تحالف عسكري إسلامي يتولى التصدي لآفة الارهاب يعد بكل المقاييس سابقة تاريخية وخطوة جريئة وشجاعة ستتذكرها الاجيال القادمة. اذ انها المرة الاولى التي يتشكل فيها تحالف اسلامي من 34 دولة في اطار شراكة استراتيجية قائمة على آليات فاعلة للعمل الجماعي من أجل التصدي لأعمال الإرهاب وحراب التطرف ومتابعة امتدادات بؤرها وحواضنها التي تتغذى منها وتجفيف ومحاصرة أوكارها وروحية الدهماء التي تعمل عليها الجماعات والحركات التي انبثقت من ايديولوجيا العنف والتعصب والتطرف والتي باتت تنتصر انتصاراً جاهلياً لفكرها المنغلق فتقتل وتحرق وتغتصب وتمثل بالجثث في مسلكية لا علاقة لها بالإسلام السمح الذي عرفنا منه ان من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا. ولا نبتعد ايضا عن الحقيقة اذا ما قلنا انها المرة الاولى التي يدرك فيها جميع من في العالم الاسلامي بما فيهم اولئك الذين لم ينضموا الى التحالف الجديد الذي جرى الاعلان عنه مؤخرا في الرياض ان ما يظهر على الواقع من تفاقم وتسرطن للجماعات الارهابية في الجسد الاسلامي انما يعود في الاساس الى الفشل الدولي في التوافق على خارطة طريق تفضي به نحو الخلاص من الارهاب حيث ظل الخلاف قائماً حول من يقترح هذه الخارطة ومن يصممها ومن سيقوم بخطوات التنفيذ؟ على الرغم من معرفة الجميع ان مهمة كهذه تظل ذات طابع جماعي من حيث المسؤولية.. فالعالم كله يقع اليوم ضمن دائرة الارهاب حتى وان بدت الدول العربية والإسلامية هي من تدفع الثمن الاكبر لأفعال الجماعات المتطرفة وقد دلت الاحداث الاخيرة التي طالت بعض دول الغرب ان لا احد مستثنى من اخطار هذه الافة التي لا دين لها ولا ملة ولا وطن ولا جنسية يمكن اختزالها فيها. إن المتابع للأحداث يعلم بأن ايديولوجيا كل الجماعات المتطرفة والإرهابية لم تتوقف عند اختراق نسيج المجتمعات الاسلامية من خلال توظيف النص الديني وإنما هي من تجاوزت كل ذلك لتستهدف الشباب المسلم في دول الغرب الذين يحملون جنسياتها لتقوم بتجنيدهم في عمليات ارهابية في تلك البلدان من اجل تكريس العداء والقطيعة بين الغرب والعالم الاسلامي ولذلك وجدنا ربما لأسباب غير واضحة او غامضة في الغرب من يصور الإسلام وشعوب العالم الاسلامي كمجرد فضاء لثكنة عسكرية لمقاتلين متطرفين بغية ترسيخ هذا الحشد الهائل من الكراهية والعداوة والشعور بالخطر من كل مسلم بين اوساط المجتمع الغربي خاصة لدى اولئك الذين لا يرون في الاسلام سوى عدو يهدد كياناتهم وثقافتهم وحرياتهم. ان تفاعل العالم الاسلامي مع مبادرة الاعلان عن التحالف الجديد قد جسد بحق ان العقل الاسلامي لا يختلف عن أي عقل آخر وان هذا العقل الذي يتهم بالتخلف والجمود والقصور كان هو اول من بادر الى الدعوة لتحرك دولي مشترك لمواجهة ظاهرة الارهاب وأول من نبه الى ان هزيمة الارهاب وتجفيف منابعه يتطلبان استراتيجية دولية فاعلة كفيلة بتوجيه مقود المعركة مع (داعش) والقاعدة وأخواتهما إلا ان هناك مع الاسف من ظل يستخدم ورقة الارهاب للإساءة للإسلام والمسلمين وهناك من ظل يتذرع بهذه الظاهرة لأهداف عدائية او لحسابات مرسومة الغاية منها الدفع بالأمة الاسلامية الى السقوط في الثقب الطائفي والمذهبي الاسود عن طريق الدائرة الفراغية الناتجة عن أفعال الإرهاب حتى وهو من يعلم ان من يعتنقون فكر التطرف يتجمعون من اكثر من مئة دولة وليس من العالم الاسلامي وحسب وان هؤلاء هم من يتنقلون بين الدول وغالبيتهم قد جاء من بعض البلدان المتقدمة مستغلا النزاعات الموجودة في عدد من الدول العربية والإسلامية كما هو حاصل في سورية والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان ودول اخرى لتنفيذ اجندته الارهابية ولعل ذلك هو ما ابرز الحاجة الى تحالف دولي اسلامي يلازمه صدق النوايا لمكافحة الارهاب والقضاء عليه من خلال عمل مشترك ورؤية واضحة من شأنها التصدي لهذا الشر المستطير وتقويض بنيته ضمن خطة بعيدة المدى على جميع المستويات.
مشاركة :