الفنون بتونس.. أروقة جديدة في مشهد متحول

  • 12/21/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الصحبي العلاني-تونس لم تكن ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 التي يحتفل التونسيون هذه الأيام بمرور خمس سنوات على اندلاعها ثورة الإنسان فقط، بل كانت أيضا ثورة الخطوط والألوان؛ فمع بداية الأحداث التي عصفت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي انفجرت على جدران الأزقة والشوارع طاقات تشكيلية ظلّت محبوسة بين الأنامل، وفي فترة زمانية قصيرة أصبحت المدن التونسية رواقا مفتوحا يعكس حراكا لا ينتهي. عن هذا الحراك وعن طبيعته ودلالاته تقول مديرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث سناء طمزيني إن هناك ديناميكية على أكثر من مستوى، من ذلك إقدام مجموعة من الفاعلين في القطاع الخاص مؤخّرا على إنشاء عدد من الأروقة الفنيّة (غاليري): أربعة منها في تونس العاصمة، ورواقان في كلّ من سوسة (وسط البلاد) وشنني تطاوين (جنوب)، وهذا ما يمثّل مكسبا للثقافة ورهانا عليها، بالنظر إلى الصعوبات الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد. وإلى جانب هذه المبادرات الخاصّة، توقّفت المسؤولة التونسية عند ظاهرة التطوّر المتسارع للنسيج الجمعي، سواء ذلك الذي يهتمّ بالشأن الثقافي عموما، أو بالفنون التشكيلية على وجه الخصوص، ولاحظت أنّ هذا النسيج سيكون –بكلّ تأكيد- أكثر فعاليّة متى لقي دعما وتشجيعا من الهيئات المحليّة. محلية وعالمية ولأنّ الأفق الوطني لا يكفي وحده لاستيعاب الحركة التشكيليّة المتنامية، أشارت سناء طمزيني إلى بروز فنانين تشكيليين كانوا إلى عهد قريب مغمورين، بل غير معترف بهم، ولكنّهم نجحوا في تكريس أسمائهم على الصعيد الدولي، مثل نضال الشامخ ومالك القناوي وفخري الغزال، الذين حملوا في تجاربهم ما يدعونا إلى مراجعة كثير من المسلّمات، وإلى كسر الحواجز المصطنعة بين الفنون التشكيلية (في معناها الحصري) والفنون المعمارية وفنون التصميم والفنون التطبيقيّة، من أجل العودة إلى أن الصورة أصل تنحدر منه كلّ الفروع وسائر التجارب. وفي سياقِ محو الحدود بين سائر الفنون وكسر الحواجز بين المحليّة والعالميّة، قدّمت جمعية الفنانين التشكيليين في القيروان (وسط البلاد) مقترحا يتمثّل في احتضان متحف للفن الحديث والمعاصر يكون الهدف منه تثمين الرصيد الثقافي الذي تنطوي عليه المدينة. وقال صاحب المبادرة الرسّام عبد اللطيف الرمضاني إن مدينة في قيمة القيروان وفي عراقتها لا بدّ لها أن تثمن رصيدها الثقافي ذا الأوجه المتعدّدة. ويكتشف المتجول في دروب المدينة العتيقة ومسالكها وأزقّتها الكثير من المنشآت المعماريّة والمواقع الأثرية التي تم ترميمها، أو أوشكت أعمال صيانتها على النهاية. وأوضح عبد اللطيف الرمضاني أنّ أفضل طريقة للمحافظة على الرصيد المعماري الأثري تقتضي منّا عدم الاكتفاء بترميمه وصيانته، بل التفكير في إعادة توظيفه حتى يكون في خدمة الحراك الثقافي الجديد. لامركزية ثقافية وإلى جانب عمقها التاريخي ورصيدها المعماري، شدّد الرمضاني على أن مدينة القيروان كانت عبر تاريخها الحديث والمعاصر قبلة لكبار الرسّامين الغربيين، ومن أشهرهم على الإطلاق بول كلي (1879-1940) ولوي موالييه (1880-1962) وأوغيست ماك (1887-1914). كما ظلّت المدينة منذ أواخر القرن الـ19 وطيلة القرن العشرين موضوعا مركزيا في البطاقات البريدية، بالإضافة إلى أنّها أعطت لتونس أسماء تشكيلية كبيرة ومؤسّسة مثل عمر بن محمود (1936-2009) وحمادي السكيك (1951-2011). وفي تفاعل مع هذا المشروع، أشارت مديرة قسم الفنون التشكيليّة في وزارة الثقافة إلى أنّ بعث رواق/متحف في مدينة القيروان يضمّ جزءا من مقتنيات الوزارة التي تراكمت على امتداد عقود وبلغت أكثر من 11500 أثر فنّي، يمكن أن يكون شكلا من أشكال التخلّي عن المركزيّة المفرطة التي طبعت الفعل الثقافي خلال عقود، مركزيّة آن الأوان لمراجعتها من أجل كسر الحدود بين المحلّي والوطني، وبين الوطني والعالميّ، وصولا إلى الجوهريّ في الإنسان، أي إلى الإبداع الذي لا حدود له.

مشاركة :