أثارت زيادة نشاط مصافي التكرير الهندية الكثير من التساؤلات في ضوء حديث عن عمليات استيراد كبيرة للخام الروسي بأسعار منخفضة ومن ثم تصدير المنتج النهائي بأسعار مربحة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فما حقيقة ذلك؟ تعد مصفاة النفط في جامناجار أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم هل تستورد الهند كميات كبيرة من النفط الروسي؟ زغم إيغور فيدوروفسكي، أحد مستخدمي موقع تويتر، باللغة الروسية: "الهند تستغل الفرصة وهي على دراية بالعقوبات لتقوم بشراء النفط الروسي بتخفيضات تصل إلى 40٪". تحقيق DW : هذا الزعم حقيقي. زادت مصافي التكرير الهندية من وارداتها من النفط الخام من روسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط. فقد أفاد مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف ومقره فنلندا بارتفاع الواردات بشكل كبيرة منذ بدء روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا ، حيث ارتفعت حصة الهند من صادرات النفط الخام الروسي من 1٪ إلى 18٪ بحلول مايو/ أيار. وتعد التخفيضات على شراء النفط الروسي الخام السبب الوحيد وراء زيادة الواردات خاصة في ضوء تزايد الطلب على مصادر الطاقة في شبه القارة الهندية، حيث أشارت منظمة الأوبك إلى أن طلب الهند من النفط سوف ترتفع من 4.7 مليون برميل يوميا إلى 5.15 مليون برميل العام المقبل. يشار إلى أن الهند انتجت عام 2020 حوالي 0.77 مليون برميل من النفط بشكل يومي، وفقا لتقديرات شركة بريتش بتروليوم "بي بي"البريطانية. وذكرت الشركة أن الهند باتت ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم، فيما توقعت "مؤسسة حقوق العلامة التجارية الهندية" أن يتضاعف الطلب على النفط في الهند إلى حوالي 11 مليون برميل يوميا بحلول عام 2045. جدول بالتغيرات التي طرأت على واردات الطاقة الروسية. هل صادرات النفط إلى أوروبا تعد مربحة بالنسبة للهند؟ كتب دومينيك ليمان، عضو حزب اليسار في ألمانيا، قائلا: "تقوم الهند بتكرير النفط الروسي ومن ثم تقوم ببيع المنتج النهائي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي... الرأسمالية في أفضل حالاتها". تحقيق DW : هذا الزعم لا يمكن إثباته. تجدر الإشارة إلى أن الهند فعليا قامت في الآونة الأخيرة بزيادة وارداتها وصادراتها النفطية بشكل كبير إذ ذكرت وزارة التجارة الهندية أن إجمالي حجم الصادرات والواردات بلغ 15.99 مليار دولار (15.12 مليار يورو) في أبريل/ نيسان ومايو / أيار العام الجاري مقارنة بـ 8.94 مليار دولار العام المنصرم. وقد دفعت هذه البيانات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف إلى التأكيد بأن الهند تقوم بتكرير ومعالجة النفط الخام الروسي. وتتفق في هذا الرأي مؤسّسة "ريستاد إنرجي" لاستشارات الطاقة في تحليل أصدرته في 20 من يونيو / حزيران الجاري، مضيفة "لم تتحقق التوقعات بأن النفط الخام الروسي سيتوقف عن التداول في الأسواق الدولية إذ أنه في المقابل أدت التخفيضات الكبيرة لشراء الخام الروسي إلى إعادة إبحار السفن صوب الأسواق البديلة فيما تزايدت تكلفة تمويل هذه السفن والتجارة بسبب تجميد النظام المالي الغربي، لذا فإن الخصم على النفط الخام أصبح جذابا بحيث لا يمكن لبعض المصافي تجاهله. كما هو الحال مع النفط الإيراني في الماضي إذ أنه بمجرد تكرير الخام الروسي، فإنه سيصبح من المستحيل تقريبا التمييز بين النفط الروسي وغيره عند إعادة دخوله للسوق الدولي". ارتفعت واردات الهند من النفط الخام بشكل كبير منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وتظهر إحصاءات وزارة التجارة الهندية تغييرات في مسارات التجارة حيث بلغت صادرات النفط إلى الاتحاد الأوروبي في أبريل / نيسان الماضي نحو مليار دولار مقارنة بـ 287 مليون يورو في أبريل/ نيسان العام الماضي. تزامن هذا مع زيادة بلدان أمريكا الشمالية وارداتها البترولية من الهند حيث بلغت 435 مليون دولار في أبريل / نيسان الماضي ما يشكل ارتفاعا عن نفس الفترة العام الماضي والتي بلغت 220 مليون دولار. بيد أن مقبل الأيام سوف يثبت مدى ما تجنيه الهند من أموال نظير هذه الزيارة في الصادرات البترولية. وفي هذا السياق، ذكر مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف أن التخفيضات على شراء النفط الخام الروسي مع ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي يقابلها ارتفاع حاد في تكاليف النقل والتأمين على الشحن. هل تقوض الهند الحظر النفطي الأوروبي على روسيا؟ كتب آلان سكيد، أستاذ فخري للتاريخ الدولي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن الدول الآسيوية "تشتري النفط الروسي حاليا بسعر مخفض وبالتالي تقوض العقوبات الغربية، لذا فإن الهند تبدو دولة ليست صديقة للديمقراطية". تحقيق DW: هذا الزعم يعد مضللا. لم يجرى فرض حظر على الهند لكي يمنعها من التجارة في الخام النفطي الروسي إذ أن الولايات المتحدة وكندا وأستراليا تعد الدول الوحيدة التي فرضت حظرا كاملا على النفط والغاز والفحم الروسي. وفي الثالث من يونيو / حزيران، قرر الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا، لكن مع وجود استثناءات عديدة. فعلى سبيل المثال، حددت بريطانيا مرحلة انتقالية لحظر استيراد المنتجات النفطية الروسية بحلول نهاية العام فيما قرر الاتحاد الأوروبي حظر واردات الفحم الروسية بداية من أغسطس / آب والواردات النفطية عبر السفن بداية من ديسمبر/ كانون الأول بينما جرى استبعاد نقل شحنات النفط والغاز عبر خطوط الأنابيب من منظومة العقوبات. كذلك فقد وقعت عدد من شركات النفط الغربية عقودا لزيادة الإمدادات قبل سريان الحظر حتى تتمكن من الاستفادة من التخفيضات على شراء النفط الخام الروسي. وفي هذا السياق، ذكر مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف أنه جرى نقل 75 ٪ من النفط الخام الروسي إلى الهند والشرق الأوسط عبر ناقلات يونانية خلال أبريل/ نيسان ومايو/ أيار العام الجاري. سوف يتضح قريبا فصل الكلام في قضية ما إذا كانت الهند تقوض الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على روسيا خاصة مع بدء سريان الحظر الكامل. ورغم ذلك، قال وي تشيونغ هو، نائب رئيس مؤسّسة "ريستاد إنرجي" لاستشارات الطاقة، إن تتبع مصادر المنتجات النفطية سيظل من الأمور الصعبة، مضيفا "تتبع مصير الخام الروسي سيمثل تحديا إذ ينتهي الأمر بالدول الأوروبية باستيراد البنزين والديزل ومنتجات أخرى من الهند تكون ممزوجة بمنتجات روسيا البترولية". أستريد برانغ / م ع
مشاركة :