على وقع انقسام حاد حول عدة عناوين، أبرزها تركيز السلطات بيد الرئيس، تضمنتها مسودة الدستور التونسي الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء الشهر الجاري، نأى رئيس الهيئة الاستشارية التي كُلفت إعداد الدستور الجديد صادق بلعيد أمس، بنفسه عن النص الذي نشره الرئيس قيس سعيد في الجريدة الرسمية، مؤكداً أنّ تبنّيه في الاستفتاء المقرر في 25 الجاري يمكن أن «يفتح المجال أمام نظام دكتاتوري». وتمنح مسودة الدستور، التي قدّمها بلعيد في 22 يونيو الماضي، ونشرها سعيد الخميس الماضي، سلطات واسعة لرئيس الدولة تمثّل قطيعة جذرية مع النظام البرلماني القائم منذ عام 2014. وفي رسالته، قال بلعيد، عميد كلية الحقوق المتقاعد وأحد أشهر خبراء القانون، إنّ مسودة الدستور المنشورة في الجريدة الرسمية «لا تُشبه بأي حال من الأحوال تلك التي وضعناها وعرضناها على الرئيس»، مضيفاً: «لهذا السبب، أُعلن، بأسف وبوعي كامل للمسؤولية تجاه الشعب الذي يملك القرار الأخير، أن اللجنة بريئة بشكل كامل من النص الذي قدمه الرئيس ليُعرض على الاستفتاء». وحذّر بلعيد من أن «نص رئاسة الجمهورية ينطوي على مخاطر ومطبات جسيمة وأوجه قصور كبيرة من مسؤوليته التنديد بها». وأشار على وجه الخصوص إلى مادة عن «الخطر الداهم» تمنح رئيس الدولة «سلطات واسعة للغاية في ظروف يكون هو الوحيد القادر على الحكم عليها، ممّا يفتح الطريق أمام نظام دكتاتوري شائن». ونبّه بلعيد إلى أن الرئيس عاد في الدستور الجديد إلى الفصل 80 من دستور 2014 القديم ما يتيح له استخدام صلاحيات واسعة في ظروف يقررها بمفرده، وهي المادة نفسها، التي استند إليها سعيد في 25 يوليو 2021 لإعلان التدابير الاستثنائية وإقالة الحكومة، التي يهيمن عليها حزب النهضة الإسلامي، وتجميد البرلمان وحله ثم حل المجلس الأعلى للقضاء وباقي الهيئات الدستورية، واحتكار السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل كامل. وكرّس الدستور الجديد سلطة رئيس الدولة على رأس السلطة التنفيذية، وتعيين رئيس الحكومة وأعضائها، وسلطة عزلها تلقائياً، وتحديد السياسات العامة للدولة والاختيارات، وللترشح لولاية ثانية، وصلاحيات حل البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم بحسب القانون، وتعيين كبار المسؤولين في الدولة وتسمية القضاة. ومن بين المخاطر الأخرى، التي أشار إليها بلعيد، «انتفاء المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية» و»النظام الجهوي والإقليمي المبهم والمريب» و»التنظيم المنقوص للمحكمة الدستورية ما يهدد بضرب استقلاليتها». وأزال سعيد في الدستور المقترح جميع الضوابط تقريباً على حكمه، وأضعف دور البرلمان والقضاء، مما أدى إلى اتهامات واسعة من معارضيه بأنه يفكك المكاسب الديموقراطية لثورة 2011. واتهم بلعيد سعيد بتشويه الهوية التونسية من خلال نسخة الدستور الجديد، الذي ينص أيضاً على إنشاء «مجلس أقاليم» جديد كغرفة ثانية للبرلمان، لكنه لا يقدم أي تفاصيل حول كيفية انتخابه أو صلاحياته.
مشاركة :