الظهير الإسلامي.. العمق الاستراتيجي الواسع

  • 12/22/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تتكامل تضاريس الجغرافيا مع الاعتبارات الاستراتيجية في رسم معالم السياسة الخارجية السعودية ومقومات الأمن الوطني السعودي. تاريخيا كانت معالم الجغرافيا هي التي تحدد أولويات السياسة الخارجية السعودية من حيث حركة سلوكها وقيم منطلقاتها. هناك الدائرة العربية اللصيقة جغرافيا والقريبة تاريخيا والحميمة ثقافيا.. ثم تأتي بعدها الدائرة الإسلامية ببعدها الروحي واختلافها التعددي.. والأهم عمقها الاستراتيجي، لأمن المملكة العربية السعودية. يأتي تشكيل الحلف الإسلامي الذي أعلن عنه في الرياض، الأسبوع الماضي، انعكاسا لهذا التكامل الجغرافي والاستراتيجي للسياسة الخارجية السعودية ومحددات أمننا الوطني. إلا أن تاريخ وواقع وضع الدائرة العربية اللصيقة يعكس خللا استراتيجيا خطيرا لا يتناسب، من الناحية الأمنية، مع توجهات السياسة الخارجية السعودية (العربية). ليس بخاف على أحد ما توليه السياسة الخارجية من اهتمام بالغ بقضايا العرب القومية، بدءا من قضية التحرر الوطني لكثير من الدول العربية.. وقضايا التضامن العربي تجاه التحديات الدولية والإقليمية.. وقضايا التكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي ضمن النظام العربي، بشقيه الرسمي والشعبي، ولا ننسى في مقدمة كل ذلك التزام السياسة الخارجية السعودية بنصرة القضية الفلسطينية. إلا أنه رغم هذا الالتزام الراسخ من صانع السياسة الخارجية السعودية بالدائرة العربية اللصيقة جغرافيا وقوميا، إلا أن وقائع التاريخ وتجاربه لا تسعف كثيرا أنصار التوجه القومي في جدلهم بالأهمية الاستراتيجية للبعد القومي في تعزيز الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية. منذ نشأة المملكة العربية السعودية، في النصف الثاني من عقد عشرينات القرن الماضي، كان الخطر، من الناحية الاستراتيجية على أمن المملكة، يأتي مباشرة من الدائرة العربية اللصيقة!. في خمسينات القرن الماضي كان الجوار الشمالي للمملكة، من ناحية العراق والأردن، يشكل هاجسا أمنيا للمملكة. في الستينات، في أوج المد القومي، وصلت مصر إلى حدودنا الجنوبية بعد ثورة اليمن، مهددة مباشرة أمننا الوطني. في نهاية ثمانينات القرن الماضي غزا العراق الكويت، مما شكل خطرا ناجزا وداهما بأمن المملكة. واليوم يستعر الشمال (العراق وسوريا)، مع الجنوب (اليمن)، بفعل تدخل لجار إقليمي لنا شرقا (إيران)، ليشكل عدم الاستقرار هذا على حدودنا الشمالية والجنوبية خطرا مزدوجا على أمننا الوطني. علينا، في خضم ذكر عوامل عدم الاستقرار في الجوار العربي وتداعياتها على أمننا الوطني، ألا ننسى ما تشكله إسرائيل من خطر على الجميع، الأمر الذي يجعل جوارنا من قوى إقليمية وأنظمة عربية خطرا ماثلا على أمننا الوطني. هذا لا يتوقف على فعاليات النظامين العربي والإقليمي الرسمية فحسب.. بل ما تطور منذ نهاية سبعينيات القرن من تنظيمات غير رسمية أخذت من الإرهاب فكرا وحركة لتقويض المنطقة، وبصفة خاصة أمن المملكة العربية السعودية. لكن، في كل الأحوال: كان الظهير الإسلامي يمثل دائما عمقا استراتيجيا خلفيا، بمثابة «جبهة أمامية صلبة» للدفاع عن المملكة العربية السعودية. كان أول من وعى هذه الاستراتيجية لعمق الظهير الإسلامي، الملك فيصل (يرحمه الله). لم يكتشف الملك فيصل الأهمية الاستراتيجية للظهير الإسلامي للدفاع عن أمن المملكة، في مواجهة خطورة المد القومي فحسب.. بل سعى إلى تطويره والعمل على جعله واقعا إقليميا له مؤسساته السياسية والاقتصادية والتكاملية (منظمة التعاون الإسلامي)، بل وحتى أوجد مؤسسات شعبية إسلامية (رابطة العالم الإسلامي) ليكتمل عقد ما أطلق عليه منظومة التضامن الإسلامي لتشكل الدرع الأساس في منظومة الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية. اليوم عندما تقود المملكة تحالفا إسلاميا لمحاربة الإرهاب، إنما يأتي هذا اتساقا مع محددات استراتيجية تقفز على الخلل الاستراتيجي الخطير في الدائرة (العربية) إلى حيث تكمن دفاعات الأمن الوطني السعودية الحقيقية في عمق الدائرة الإسلامية الأكثر اتساعا.. والأغنى من حيث الموارد، والأكثر استعدادا للذود عن أمن واستقرار بلاد الحرمين الشريفين. كل هذا يفسر لماذا الإعلان عن التحالف العسكري الجديد جاء من الرياض. لقد استثمرت المملكة، لما يزيد على نصف قرن، في هذا العمق الاستراتيجي الواسع، الذي يمثله الظهير الإسلامي. أيضا: الرياض تعرف أن ما تدعو إليه لا يمكن إلا أن يلقى قبولا من الدول والشعوب الإسلامية، لأن الإرهاب، قبل كل شيء، مستهدف به الإسلام وعقيدته السمحة وأكثر من مليار ونصف مليار مسلم.. وأن الحرب على الإرهاب أولى بها المسلمون، وليس أعداء الإسلام الذين هم -في حقيقة الأمر- وراء الإرهاب يستغلونه للإضرار بالإسلام والمسلمين.

مشاركة :