إن الدبلوماسية السعودية تؤمن بالحوار والتواصل مع الجميع فإنها كانت ولا زالت تنزع للتدخل في اللحظات الحاسمة ليس فقط لإنقاذ المنطقة من ويلات الإرهاب وحماية الدين الإسلامي من التشويه بل أيضاً لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين وبالتالي فإن تلك المبادرة لم تأت بمعزل عما يدور في الساحة الدولية.. فاجأ سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الجميع بإعلانه عن تشكيل تحالف 34 دولة إسلامية من أجل التصدي للإرهاب. البعض أشار إلى أنه تحالف ضد إيران والبعض الآخر وصفه بأنه ناتو إسلامي مقابل وارسو شيعي. وهذه قراءات واجتهادات ليست دقيقة فالتحالف لا يستهدف إيران بل هدفه صريح يتعلق بالجماعات الراديكالية. الأمير محمد بن سلمان كان واضحاً ومباشراً في مؤتمره الصحفي حيث أشار إلى أن "التحالف الإسلامي سيكون شريكاً للعالم في محاربة الإرهاب"، وأن "كل دولة ستساهم بحسب قدراتها". مشيراً إلى أنه سيتم إنشاء غرفة عمليات في الرياض لتنسيق ودعم محاربة الإرهاب، وأضاف: "اليوم كل دولة إسلامية تحارب الإرهاب في شكل منفرد، لكن هذه الغرفة سيكون هدفها توحيد الجهود التي نواجه فيها الإرهاب"، ولعل أهم ما ذكره الأمير في أن التحالف الجديد سيواجه الإرهاب عسكرياً وفكرياً وإعلامياً، ما يعني أننا أمام استراتيجية شاملة وتحول نوعي غير مسبوق في التعاطي مع هذا الملف الشائك. والحقيقة ان الظرف ودقة المرحلة وحجم المخاطر تتطلب اتخاذ مثل هذه الخطوة النوعية لأن مكافحة الإرهاب مسؤولية مشتركة بين الدول كافة أو هكذا يجب أن يكون لاسيما وأن معظمها اكتوت بناره. هذا المسعى بتشكيل قوة عسكرية إسلامية مشتركة، لأهداف محددة أمر ليس بالسهولة التي يتخيلها كثيرون. فلطالما استعصى على تكتلات وأنظمة إقليمية شتى تشكيل قوة عسكرية موحدة، على الرغم من بلوغ مستوى التعاون السياسي والاندماج الاقتصادي بينها مراحل متقدمة. ومع ذلك أرى أن هذا الموقف الموحد اللافت للدول الإسلامية يعد أقوى رد على من يربط الإرهاب بالإسلام. ولعل ما يجعل هذا التحالف يكتسب أهمية خاصة هو في توقيته لتصل الرسالة لكل الأطراف من جماعات ومن يقف وراءها. صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية اعتبرت أن التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلن عنه في الرياض، دليل جديد على تصاعد نفوذ السعودية وقد يكون هذا صحيحاً لكن الأكثر صحة ان السعودية تنطلق من مسؤولية دينية تعرف أبعادها وحجمها، وإن كان البعض لا يستوعبها أو لا يرغب في الاعتراف بها إلا أن قدرها ولله الحمد جعلها تكون دولة رائدة ومؤثرة فمكانتها الروحانية وضعت على كاهلها مزيداً من الأعباء والواجبات والمسؤوليات، ما جعلها رقماً صعباً في المنطقة لا يمكن تجاوزه. ولذلك لا نستغرب التصعيد الإيراني تجاه التحالف الإسلامي فكان متوقعاً كردة فعل أضف إلى ذلك قلق طهران تجاه حليفها الاستراتيجي نظام الأسد من تداعيات هذا التشكل الكبير. غير ان رفض إيران للدخول في التحالف يبدو أن له مبرراته، فهي تُصنف كدولة راعية للإرهاب وداعمة للنظام السوري وفق رؤية دول التحالف والكثير من دول العالم، ناهيك عن أن هناك أزمة ثقة ما بين طهران وبقية دول التحالف. إن إشكالية إيران سياسية في المقام الأول ولا خلاف لدينا مع الشعب الإيراني. فهي تتدخل في شؤون الدول الأخرى من الزاوية الطائفية. ومع ذلك يمكن لطهران أن تلعب دوراً إيجابياً، إذا ما حجمت طموحاتها الإقليمية وأوقفت تدخلاتها في شؤون الغير التي أربكت ترتيبات الأمن الإقليمي، وذلك بإخراج قواتها من سورية والعراق واليمن والانخراط مع المجتمع الدولي في إيجاد حلول أو تسويات للأزمات الراهنة، تأخذ في الاعتبار احترام الشرعية وبما يخدم استقرار الإقليم. وفي هذا السياق لم تكن تلك الدول الإسلامية مضطرة لقبول الانخراط في التحالف لولا قناعتهم ومعرفتهم بحجم تأثيرها وأهمية الدور الذي تلعبه الرياض سياسياً وأمنياً واقتصادياً لا سيما في ظل المتغيرات وما تمور به المنطقة من أحداث واضطرابات. هذا الحراك الدبلوماسي ملمح لنهج السياسة الخارجية في عهد الملك سلمان. ولعل تشكل الواقع الإقليمي الجديد وظهور تلك المخاطر والتحديات دفع السعودية للأخذ بزمام المبادرة، وطالما أن الدبلوماسية السعودية تؤمن بالحوار والتواصل مع الجميع فإنها كانت ولا زالت تنزع للتدخل في اللحظات الحاسمة ليس فقط لإنقاذ المنطقة من ويلات الإرهاب وحماية الدين الإسلامي من التشويه بل أيضاً لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين وبالتالي فإن تلك المبادرة لم تأت بمعزل عما يدور في الساحة الدولية. رب قائل يقول إن تعريف الإرهاب يظل أحد المعوقات للتعاون في مواجهته فضلاً عن تصنيف هذه الجماعة أو تلك من كونها تنظيماً إرهابياً أم لا، وهذا تساؤل مشروع وصحيح، وفي تقديري ان هكذا تشكل سيقود إلى التوصل لتعريف دقيق للإرهاب وهنا تكمن أهمية هذا التحالف فضلاً على أن مسألة القوائم لا تمثل إشكالية لأن هناك إجماعاً واتفاقاً حول عدد من الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام والشباب الصومالي والنصرة والقاعدة وداعش، حيث يمكن الانطلاق في المواجهة العسكرية مما هو متفق عليه ثم يمكن يعد ذلك النظر في الجماعات التي ربما عليها خلاف حول تصنيفها لأنه قد تترك السلاح وتنخرط في العمل السياسي. صفوة القول: إيجاد تحالف نوعي بهذا الحجم يحسب للدبلوماسية السعودية ومع ان المهمة ليست يسيرة إلا أن التفاؤل يحدونا في أن تتكاتف الجهود لمواجهة التنظيمات الإرهابية ورغم أهمية وضرورة العمل العسكري إلا أن المواجهة الفكرية تبقى الأهم خصوصاً وهي ضمن أجندة التحالف.
مشاركة :