كان الشرق الأوسط أفضل حالاً إبّان سيطرة صدام حسين ومعمر القذافي على مقاليد الحكم كل في بلده. جاءت هذه الكلمات على لسان المرشح الرئاسي الجمهوري وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس تيد كروز. ولكن، هل هو على صواب؟ بِمَ توحي لنا الأرقام منذ حرب العراق؟ قال كروز في برنامج مورنينج جو على قناة MSNBC: لقد شهدنا خطأ مستمرا في السياسة الخارجية الأمريكية، ورأينا كيف تورط الديمقراطيون وكثير من الجمهوريين في واشنطن في مساعي الإطاحة بحكومات شرق أوسطية فانتهى الأمر إلى تقديم خدمة جليلة للأشرار. انتهى الأمر بأن تقلّد الأمر الإرهابيون المتطرفون. في تصريحه هذا يشرح عضو مجلس الشيوخ كيف أنه يؤمن بأن التدخل الأمريكي منذ بداية حرب العراق أفضى بالولايات المتحدة من كارثة إلى أخرى. تساءل كروز: أكان العالم في حقيقة الأمر مكانا أفضل؟ أكانت منطقة الشرق الأوسط مكانا أفضل إذ كان معمر القذافي وصدام حسين في سدة الحكم؟ (...). بالطبع كان الشرق الأوسط أفضل. لا ريب أن عضو مجلس الشيوخ على صواب. فقد كانت منطقة الشرق الأوسط أكثر أمنا وأمانا تحت قيادة القذافي وصدام حسين. بحسب التقارير الصادرة عن الحكومة الأمريكية، فقد زادت البلاغات عن القتلى إثر العمليات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة بين عاميْ 2002 و2014 بواقع 4500%. لكن دعونا نتعمق أكثر. لننظر على سبيل المثال للعراق وحده، قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان عدد محاولات الانتحار في العراق صفرا. في تاريخ العراق لم يكن هناك حالة انتحار واحدة قط. لكن منذ الغزو الأمريكي عام 2003، بلغ عدد محاولات الانتحار 1892 حالة. في العراق، وقبل بداية حرب العراق، بلغ عدد المسيحيين الذين يعيشون في البلد أكثر من 1.5 مليون نسمة. ومع ذلك، بعد بداية الحرب بفترة وجيزة، فر أكثر من مليون نسمة منهم إلى سوريا. اليوم هناك أقل من نصف مليون مسيحي، ويتعرضون للإبادة من قبل جماعات مثل تنظيم داعش. ماذا عن أفغانستان؟ في العام الماضي وحده قتل المتمردون 2643 مدنيا، وهو أكثر عدد من القتلى سجلته هيئة الأمم المتحدة على الإطلاق منذ أن بدأت تسجيل القتلى بالمنطقة. ماذا عن باكستان؟ خلال الأربعة عشر عاما السابقة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وقع هجوم انتحاري واحد وحسب على الأراضي الباكستانية. وخلال الأربعة عشر عاما منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بلغ عدد الهجمات الإرهابية 486 هجمة. والأمر نفسه ينطبق على الصومال (88) واليمن (85) وليبيا (29) ونيجيريا (91) وسورية (165) خلال الأربعة عشر عاما نفسها. وعليه فإن ما علينا معرفته هو أنه بعد تدشين تلك الحرب المزعومة على الإرهاب بأربعة عشر عاما أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية 6 تريليونات دولار أمريكي على الحروب في العراق وأفغانستان. هذا يعني أن الولايات المتحدة أنفقت 75 ألف دولار أمريكي لكل أسرة أمريكية، وأغلب هذه الأموال مُقْتَرَضة. والأدهى من ذلك أن حوالي 7 آلاف جندي أمريكي لقوا حتفهم، وعشرات الآلاف غيرهم فُقِدوا في أرض المعركة، ناهيك عن تفشي الانتحار في صفوف الجنود الخضرمين. إذا أردنا تحري الصدق والأمانة، فإن المحصلة الوحيدة التي جلبتها الحرب على الإرهاب للولايات المتحدة ولبقية دول العالم هي المزيد من الإرهاب والمزيد من الحروب. يقول الكاتب والمحلل السياسي فريد زكريا في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 17 ديسمبر الجاري: كانت المرة الأولى التي وصفت فيها العدو بـ (الإسلام المتطرف في عمود كتبته بعد أيام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر. واستخدمت عبارة (الإرهاب الإسلامي المتطرف) في عمود آخر لاحقا في الشهر ذاته. وعليه (...) أستطيع أن أقول صدقا إن توصيفي هذا لا يُفيد بأي حال من الأحوال في تقديم إجابة أو استراتيجية للتعاطي مع الهجمات الإرهابية. حقيقة الأمر أن العدو هو الإسلام المتطرف، وأعني الأيديولوجية التي تفشت على مدار العقود الأربعة المنصرمة لعدة أسباب وباتت تصيب حاليا الشباب في العالم الإسلامي. ينبغي أن تنصب المعركة ضد الإرهاب أساسا على الأيديولوجية نفسها. ويمكن أن يتحقق ذلك على يد المسلمين وحسب؛ فهم وحدهم الذين يستطيعون تطهير عقيدتهم من التطرف. وبوسع الغرب أن يقدم يد العون بتشجيع قوى الإصلاح هذه والتحالف معها والمشاركة في الجهود الساعية لتحديث مجتمعاتها. لكن هذا المنحى أقل إشباعا إذا ما قورن بإلقاء الإهانات هنا وهناك والدعوة إلى تطبيق حظر على المسلمين.
مشاركة :