يراهن الرئيس اللبناني ميشال عون على حسم ملف الخلاف البحري مع إسرائيل لتتويج عهدته الرئاسية بإنجاز ما يحسب له على الأقل، إلا أن تصعيد حليفه حزب الله يقوض هذا الرهان وينهي عهدته بلا إنجازات. ومؤخرا بدا الرئيس اللبناني مستعجلا في سعيه لحلحلة خلافات ترسيم الحدود البحرية، وقدّم عرضا وصفته مصادر سياسية بالتنازل الذي يسهّل عملية استئناف المفاوضات، لكن إطلاق حزب الله مسيّرات فوق حقل كاريش المتنازع عليه أعاد خلط الأوراق لجهة تواصل المد والجزر في حسم الملف، وهو ما يجهض استعجال عون في سعيه لحلحلة خلافات ترسيم الحدود البحرية. وقال نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بوصعب الأربعاء إنه “يأمل ألا ينتهي عهد الرئيس ميشال عون قبل إنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية”، مؤكدًا أنه “في اليوم الذي تنطلق فيه المفاوضات مجدداً فهذا يعني أن الاتفاق بات قريبا”. وانتقد بوصعب تصعيد حزب الله قائلا “المسيّرات أُطلقت في غير أوانها”، في إشارة غير مباشرة إلى أن ذلك سيؤثر على استعجال حلحلة الخلافات والعودة إلى طاولة المفاوضات. إلياس بوصعب: آمل ألا ينتهي عهد عون قبل إنجاز اتفاق ترسيم الحدود وكشفت مصادر دبلوماسية غربية أن الوسيط الأميركي للمفاوضات بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين لن يعود إلى لبنان قبل انتخاب رئيس جديد لعرض الردّ الإسرائيلي على العرض اللبناني، فيما كانت دوائر مقربة من عون تأمل في حسم الملف بحلول سبتمبر القادم أي قبل شهر من نهاية عهدة عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر. وتؤكد هذه المصادر أن مسيرات حزب الله اخترقت الخط الدبلوماسي المرسوم من قبل قصر بعبدا، وهو ما سيعطل المسار التفاوضي المعلق والمتعثر وسيعطي مبررا للوسيط الأميركي لعدم العودة إلى مهمته إلا وفق شروط أميركية – إسرائيلية قد تكون ثقيلة جدا ولا قدرة للبنان على تحملها، سياسيا وشعبيا واقتصاديا. وتشير المصادر نفسها إلى أن هذه المسيّرات جاءت لتقول إن المفاوض الخفي هو حزب الله وليس الرئيس عون الذي تشرف ولايته على الانتهاء بعد أقل من 100 يوم. ولا تتوقع هذه المصادر عودة المبعوث الأميركي إلى لعب أي دور قبل انتخاب رئيس جديد للبنان، وهو أمر سيتزامن مع بداية استخراج إسرائيل النفط من حقل كاريش في أكتوبر المقبل. وتطرق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى مسألة الحدود البحرية، منتقدا تصعيد حزب الله الذي وصفه بأنه لا يصب في مصالح البلاد بل يخدم الحزب وأجنداته. وقال جعجع “بعد انتظار طويل منذ الاستقلال، من غير المقبول اللعب في هذا الموضوع لغايات حزبية أو استراتيجية غير متعلقة بلبنان. فالحكومة اللبنانية تتابع منذ العام 2010 هذه المسألة. وشئنا أم أبينا، هذه الحكومات مع كل حسناتها والثغرات الموجودة فيها إلا أنها السلطة اللبنانية المولجة متابعة مصالح لبنان خصوصا المعرضة لخطر خارجي، وكيف بالحري إذا كانت من إسرائيل”، مضيفًا “في الوقت الذي نقترب فيه من استخراج نفط لبنان وغازه فاجأنا حزب الله بإطلاق ثلاث مسيّرات باتجاه المنصة التي وضعتها إسرائيل على مقربة من الخط 29”. ولفت جعجع إلى أن “حزب الله تحدث كالعادة بلغته المعهودة مدعيا أنه أطلق المسيّرات بغية الحفاظ على نفط لبنان وغازه وتقوية موقف الحكومة اللبنانية، التي أكدت أن لا علم لها بهذا الموضوع كما أنها لا ترغب في مساهمة أي أحد في تقوية موقعها التفاوضي”. تصعيد حزب الله يأتي في الوقت الذي حملت فيه الأيام القليلة الماضية إشارات مشجعة في ما يخص ملف ترسيم الحدود البحرية، ما يفتح الباب أمام الذهاب إلى تهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات وشدد على أن “خطوة حزب الله أتت في إطار حزبي ضيق وإقليمي لا علاقة له بمصالح الشعب اللبناني بل ضده، فأرسلت المسيرات واستفزت الحكومة اللبنانية قبل غيرها وعرقلت عملها، ما أدى إلى الإرباك الذي شهدناه في الأيام الأخيرة”. ويؤكد محللون لبنانيون أن حزب الله يتحكم في القرار السيادي اللبناني وفي بوصلة التوجهات الداخلية في القضايا الإقليمية والدولية، وبالتالي لا يمكن حسم أي من هذه الملفات دون موافقته العلنية أو غير المعلنة في الكثير من الأحيان. وأبدى حزب الله مرونة في مفاوضات ترسيم الحدود قبل الانتخابات التشريعية في لبنان في الخامس عشر من مايو الماضي ليتراجع عن ذلك إثر الانتخابات، وهو ما قال مراقبون إنه تكتيك دأب الحزب على اتباعه كلما اشتدت أزماته. ويأتي تصعيد حزب الله في الوقت الذي حملت فيه الأيام القليلة الماضية إشارات مشجعة في ما يخص ملف ترسيم الحدود البحرية، ما يفتح الباب أمام الذهاب إلى تهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات. وأعلنت الخارجية الأميركية أن الوسيط الأميركي في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين عقد مفاوضات الأسبوع الماضي مع المعنيين في إسرائيل وأن “المباحثات كانت مثمرة وتقدمت نحو هدف تذليل الفوارق بين الطرفين”. سمير جعجع: خطوة حزب الله لا علاقة لها بمصالح الشعب اللبناني ونقل هوكشتاين خلال لقائه المسؤولين الإسرائيليين عرضا لبنانيا لحل الخلاف مع إسرائيل بشأن موارد الغاز البحري وصفته مصادر مطلعة بأنه حل وسط، فيما ينتظر القادة اللبنانيون الرد على عرضهم. ولم يتضمن العرض اللبناني أي مطالبة بالخط 29 الذي يشمل حقل كاريش المتنازع عليه، حيث طلب بدلا من ذلك الحصول على الخط 23 وحقل قانا في المنطقة المتنازع عليها. وتقول إسرائيل إن كاريش يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، بينما يقول لبنان إن الحقل يقع في مياه متنازع عليها وينبغي عدم تطويره قبل أن يختتم البلدان محادثاتهما غير المباشرة لترسيم حدودهما البحرية. وفشلت تلك المحادثات خلال العام الماضي بعد أن وسع لبنان المساحة التي يطالب بها بنحو 1400 كيلومتر مربع في المنطقة المتنازع عليها من الحدود المعروفة باسم الخط 23 جنوبا إلى الخط 29، بما في ذلك جزء من حقل كاريش. وللتغلب على ذلك الوضع اقترح هوكشتاين آنذاك مبادلة ميدانية من شأنها إنشاء حدود في شكل حرف “أس” بدلا من الخط المستقيم، لكن لبنان لم يوافق رسميا على الاقتراح. ويأمل سياسيون لبنانيون أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني على انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها. ومن شأن الاتفاق جلب أرباح للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان على التخلص من أزمته الاقتصادية. ووفق الاتفاق البحري المحتمل ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق البحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة. ومنذ أكثر من عامين يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية (الليرة) وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى هبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.
مشاركة :