يرى معسكر السلام المتراجع في إسرائيل الموزعة بين النزعة العسكرية والنزعة القومية الدينية التوسعية، أن الدولة فشلت في أن تكون المجتمع العادل الذي تصوره البعض من مؤسسيها. حدث ذلك كله على حساب الفلسطينيين. واليوم تلوح أيام مظلمة في أفق الدولة الإسرائيلية التي يتسرب التطرف بشكل متزايد فيها ليتغلغل إلى التيار السياسي الرئيسي، وهو ما سيؤثر على جيرانها العرب أيضا. وقرر النواب الإسرائيليون الخميس حل الكنيست مع تحديد تاريخ الأول من نوفمبر ليكون موعدا لإجراء انتخابات مبكرة. وتواجه إسرائيل بذلك احتمال عودة زعيم حزب الليكود اليميني المتشدد بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء على رأس حكومة قد تكون الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. ولم يتردد نتنياهو في التحريض ضد مواطني إسرائيل العرب خلال مسيرته السياسية الطويلة، منتزعا الشرعية عن اليهود المدافعين عن تسوية مع الفلسطينيين. وفي نبرة تحمل في طياتها التهديد، حذر أحد المقربين من نتنياهو الشهر الماضي، قبل حملة الليكود الانتخابية، الطلاب العرب طالبا منهم التوقف عن رفع الأعلام الفلسطينية، مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلى “نكبة أخرى”. وأشارت التعليقات التي أدلى بها يسرائيل كاتس في الكنيست إلى عمليات الطرد الجماعي للفلسطينيين عند قيام إسرائيل، ليجد أكثر من 700 ألف فلسطيني أنفسهم لاجئين في دول الجوار. لكن الليكود ليس وحده من يهدد ويتوعد بالمزيد من التطرف في مجتمع لم يستعد توازنه منذ أن اغتال متطرف يميني رئيس الوزراء إسحاق رابين سنة 1995. ومن المتوقع أن يجلب نتنياهو معه متطرفين معادين للعرب إلى أروقة السلطة بصفتهم شركاء في ائتلاف يحل محل تحالف يميني يساري وسط كان قد عمل على تكثيف مظاهر الاحتلال في الضفة الغربية على مدى السنة الماضية، رغم ضمّ حزب عربي إلى الحكومة واستعمال نبرة يمكن وصفها بالهادئة، إلى حد ما، في الخطاب المحلي. ولا تزال الفرصة سانحة حتى اليوم لتفادي سيناريو “يوم القيامة” الذي سيأتي به نتنياهو معه، وذلك لو فاز رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد، وهو سياسي ينتمي لتيار الوسط ويمكن وصف تصريحاته بالاعتدال النسبي ومعروف عنه دعمه، ولو نظريا، لإقامة دولة فلسطينية. وكان قد سعى عندما كان وزيرا للخارجية، لتعميق العلاقات مع الدول العربية. من المتوقع أن يجلب نتنياهو معه متطرفين معادين للعرب إلى أروقة السلطة بصفتهم شركاء في ائتلاف يحل محل تحالف يميني يساري وسط ومن المتطرفين الذين يمكن أن يلعبوا دور صانع الملوك بالنسبة إلى نتنياهو المشرع إيتمار بن غفير، الذي اقترح بناء كنيس يهودي في باحة المسجد الأقصى. وهي منطقة مقدسة لدى اليهود أيضا باعتبارها موقعا لمعابد توراتية. وشملت أعمال بن غفير الاستفزازية خلال العام الماضي في القدس دعم طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح والترويج للصلاة اليهودية في حرم المسجد. وقد أدى ذلك إلى تأجيج التوترات على الصعيد الإقليمي، خاصة في الأردن. حيث وصف بن غفير المسؤولين الأردنيين الذين يشرفون على المسجد بأنهم “إرهابيون”. ولا يوجد سبب يمنع بن غفير من أن يصبح وزيرا بعد الانتخابات، فهو وفق تصريحات لحليف نتنياهو الرئيسي ميكي زوهار خلال الأسبوع الماضي، يشارك نتنياهو مبادئ الليكود الأساسية. كما يجب أن نذكّر بقائمة من التصريحات أطلقها بتسلئيل سموتريتش تحرض على تنفيذ أعمال إبادة جماعية ضد العرب. حيث كشف النقاب في 2017 عن خطة تنص على أنه إذا لم يغادر العرب الأراضي المحتلة أو يقبلوا مكانة الدرجة الثانية، فإن “جيش الدفاع الإسرائيلي سيعرف ماذا يفعل”. وتقول الخبيرة السياسية الأميركية – الإسرائيلية داليا شيندلين يجب عدم التغاضي عن تصريحات سموتريتش. فرغم أن “إسرائيل لن تفعل هذا، إلا أنه يزيد من تأزم العلاقات مع العالم العربي والمواطنين العرب. حكومة مثل هذه لن تتراجع عن بثّ تصريحات مشابهة وبغيضة ضد الفلسطينيين كل يوم والقول إن العرب كلهم إرهابيون”. وسيعني مثل هذا الجو المسموم على المستوى الإقليمي “توتر العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وليس قطعها أو التراجع عن اتفاقيات إبراهيم بل ستبقى سلاما باردا. كما سيؤدي هذا إلى تراجع احتمال تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية”. ويُنظر إلى وجود نتنياهو في الحكومة على أنه خطير، فهو قد ينغمس في أيّ سياسة مهما كانت غير أخلاقية أو ضارة من أجل البقاء في السلطة وبالتالي تجنب السجن بسبب فضائح فساد ارتبطت به. ويتوقع دانيال سيدمان، مدير لمنظمة إسرائيلية غير الحكومية “ترستريال جيروزاليم” تدعم إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، أن حكومة بقيادة نتنياهو يمكن أن تشارك في تنفيذ عملية تهجير واسع النطاق للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ويعتقد أن هذا سيتجاوز الإجراءات الحالية المثيرة للقلق التي يتبعها الجيش لإكراه 1200 رجل وامرأة وطفل فلسطيني من منطقة مسافر يطا في الخليل على مغادرة قراهم لتمكين الجيش من استخدامها منطقة عسكرية تشن منها عمليات إطلاق نار مكثف. ورغم أن التنبؤ بما سيحدث يبقى سابقا لأوانه، إلا أن انتصار نتنياهو يعدّ احتمالا غير مستبعد. حيث أظهر استطلاع حديث أجرته صحيفة “معاريف” أنه في حال انضمت وزيرة الداخلية اليمينية المتشددة أيليت شاكيد إلى معسكر نتنياهو، سيضمن عودته إلى السلطة. ويرى ثابت أبوراس، المدير التنفيذي المشارك لجمعية مبادرات إبراهيم غير الحكومية التي تروج للتعايش، في ذلك كارثة محتملة. وأشار إلى أن “رئيس وزراء الليكود مناحيم بيغن تعامل في أواخر سبعينات القرن الماضي، دون حرج أو خجل مع النائب العنصري مائير كهانا بوصفه منبوذا. وكان بيغن ينسحب من قاعة الكنيست كلما صعد كهانا، الذي دعا إلى طرد العرب من إسرائيل، إلى المنصة. أبناء كهانا سيكونون اليوم في التحالف. وفي هذا خطورة على المجتمع الإسرائيلي”.
مشاركة :