قفزة نوعية يحدثها استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم. وما كان بالأمس مجرد خيال أصبح اليوم واقعا ملموسا. في فيلم “ماينوريتي ريبورت” الذي قام بدور البطولة فيه النجم الأميركي توم كروز لجأ علماء إلى أشخاص لديهم قدرات ذهنية خارقة وقاموا بعمل ارتباط بين أدمغتهم وبين عشرات الأجهزة التي أمدتهم بصور ومعلومات حول مشتبه بهم ومواقف وأحداث مختلفة ليتمكنوا من خلالها من توقع جرائم القتل قبل وقوعها. مر على إنتاج هذا الفيلم نحو 20 عاماً. واليوم أضحت الفكرة الخيالية واقعاً، إذ تمكن برنامج للذكاء الاصطناعي من التنبؤ بموقع ومعدل الجريمة عبر مدينة شيكاغو قبل أسبوع بدقة تصل إلى 90 في المئة. ابتكر إيشانو تشاتوبادياي الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الحيوية في جامعة شيكاغو وزملاؤه نموذجاً للذكاء الاصطناعي يقوم بتحليل بيانات الجريمة في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي للفترة ما بين 2014 و2016، ثم توقع مستويات الجريمة في الأسابيع التي تلت فترة تغذية البرنامج بالبيانات والمعلومات. المذهل أن الذكاء الاصطناعي توقع احتمالية حدوث جرائم معيّنة في جميع أنحاء المدينة، والتي تمّ تقسيمها إلى مربعات بعرض حوالي 300 متر، قبل أسبوع من وقوعها بدقة عالية قاربت المئة في المئة. كما تم تدريبه واختباره على بيانات سبع مدن أميركية رئيسية أخرى، ليفاجأ العلماء بمستوى مماثل من الأداء، بحسب ما نشر موقع “نيوزساينتس” المتخصص. نتائج مذهلة كانت الجهود السابقة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالجريمة مثار جدل لأنها يمكن أن تُبقي على نسبة من التحيز العنصري. وفي السنوات الأخيرة، اختبرت إدارة شرطة شيكاغو خوارزمية أنشأت قائمة بالأشخاص الذين يُعتبرون الأكثر عرضة لخطر التورط في إطلاق النار، إما كضحايا أو كجناة. تم الاحتفاظ بسرية تفاصيل الخوارزمية والقائمة في البداية، ولكن عندما تم إصدار القائمة أخيراً، اتضح أن 56 في المئة من الرجال السود في المدينة الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً قد ظهروا فيها. ويُقر تشاتوبادياي بأن البيانات التي يستخدمها نموذجه ستكون متحيزة أيضاً، لكنه يقول إنه تم بذل جهود للحد من تأثير التحيز، وإن الذكاء الاصطناعي لا يحدد المشتبه بهم، بل المواقع المحتملة للجريمة فقط، مشيراً إلى أنه لن يرتكب الخطأ الوارد في فيلم توم كروز: “إنه ليس تقرير الأقلية”..”موارد الجهات القائمة على تطبيق القانون محدودة في النهاية.. لذلك أنت تريد استخدام تلك الموارد على النحو الأمثل. سيكون من الرائع أن تعرف أين ستحدث جرائم القتل دون إنفاق الوقت والجهد والموارد لمعرفة ذلك”. أصبح بالإمكان التنبؤ بحدوث الجرائم قبل وقوعها بدقة تصل إلى 90 في المئة ولكن ماذا عن التحيز العنصري؟ ويثير التقدم في التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي اهتمام الحكومات التي ترغب في استخدام أجهزة الأمن لهذه الأدوات التنبؤية لردع الجريمة. صحيح أن الجهود المبكرة للتنبؤ بالجريمة كانت مثيرة للجدل، إلا أنها لا تأخذ في الاعتبار التحيزات المنهجية في إنفاذ الشرطة للقانون وعلاقتها المعقدة مع الجريمة والمجتمع. ونشرت نتائج الدراسة البحثية في مجلة “طبيعة سلوك الإنسان”. مصدر للمعلومات واستخدم الباحثون أيضاً البيانات للبحث عن المجالات التي يؤثر فيها التحيز البشري على عمل الشرطة. إذ قاموا بتحليل عدد الاعتقالات في أعقاب الجرائم في أحياء مختلفة من شيكاغو ذات مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة. أظهر هذا التحليل أن الجرائم في المناطق الأكثر ثراء نتجت عنها اعتقالات أكثر مما كان عليه الأمر في المناطق الفقيرة، مما يشير إلى التحيز في استجابة الشرطة للإنذارات والبلاغات. ولم يخف لورنس شيرمان من مركز كامبريدج لأحد أفرع الشركة المتخصصة بالمملكة المتحدة أن “يكون الأمر (ربما) انعكاسًا للتمييز المتعمد من قبل الشرطة في مناطق معينة”. ويقول تشاتوبادياي إنه يمكن استخدام تنبؤات الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر أمانًا كمصدر للمعلومات لمتخذي القرار على أعلى المستويات، بدلاً من استخدام موارد الأجهزة الأمنية بشكل مباشر، مشيراً إلى أنه أتاح البيانات والخوارزمية المستخدمة في الدراسة للجميع حتى يتمكن باحثون آخرون من التحقيق في النتائج وتطوير العمل.
مشاركة :