فيما مضى لم تكن كل السلع تتوفر طوال العام، لكن الآن بات بإمكان المتسوقين انتقاء ما يريدون من بين آلاف المنتجات المتاحة في متاجر البقالة الكبيرة، وهو الأمر الذي لم يكن أسلافنا يتخيلونه منذ قرن مضى. وتقول عالمة أنثروبولوجيا التغذية "جانيت شرزان" عن ذلك إن الأشخاص يعيشون حالياً في بيئة غذائية تختلف عن أي بيئة عاش بها الجنس البشري من قبل. وتقصد "شرزان" بذلك العدد الهائل من المنتجات الذي تعرضه محلات البقالة الكبيرة، فعلى سبيل المثال تعرض متاجر السوبر ماركت الألمانية بشكل عام أكثر من عشرة آلاف منتج، بينما تعرض المتاجر في الولايات المتحدة الأمريكية في المتوسط أكثر من 30 ألف منتج. وفي حين يتخذ المستهلكون قراراتهم بشأن ما يضعونه في عربات التسوق في غضون ثوانِ، تكون لهذه القرارات آثار كبيرة على البيئة. مشكلة الاستهلاك المفرط - يمثل إنتاج الغذاء نحو ربع الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري، وتأتي معظم هذه الانبعاثات من إنتاج اللحوم والألبان، والتي تساهم بنحو 15% من الانبعاثات العالمية. - يتسبب إنتاج الغذاء في مشكلات أخرى، مثل التلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث التربة، ونقص المياه. - وقد تزايد استهلاك الغذاء في جميع أنحاء العالم على مدى عقود، وتستهلك الدول ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا أكثر السعرات الحرارية للفرد. - لكن في الوقت نفسه تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الأسر على مستوى العالم تهدر 11% من إجمالي الغذاء المتاح للاستهلاك. - ولا تشمل هذه الإحصائية البلدان منخفضة الدخل، مما يطرح تساؤلاً حول أسباب شراء الأشخاص كميات من الأطعمة أكثر مما يأكلونه. - وتفسر "شرزان" سبب ذلك بأن الجنس البشري لديهم خوف لا واعٍ من التعرض للجوع، قد يكون نابعاً من تلك الفترات التي كان الطعام بها غير متوفر، وكان الحصول عليه أكثر صعوبة بكثير من الآن. - وأضافت "شرزان" أن البشر لديهم رغبة فطرية لضمان أن لديهم طعاماً يكفيهم ويكفي أطفالهم، ومن ثم إذا اعتقد الشخص أن الطعام قد ينفد، فسوف يقوم بتخزينه. كيف يختار الأشخاص طعامهم؟ - هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نوعية الأطعمة التي يشتريها الأشخاص من المتاجر، ومن بينها سعر المنتج، فالأفراد يشترون ما يكمنهم تحمل تكلفته. - وعلاوة على السعر، هناك عوامل أخرى مثل التسويق، والمخاوف الصحية، والمذاق، والراحة، والاستدامة، والتعبير عن الهوية والقيم، والتي تلعب جميعها دوراً في نوع الأطعمة التي يشتريها الأشخاص. - ويقول "ستيفان واهلين" عالم اجتماع الطعام في جامعة "جيسن" في ألمانيا إن البشر يميلون عادة إلى تناول نفس النوع من الطعام 95% من الوقت، مشيراً إلى أن الناس يعيشون نظام حياة روتينياً. - ورغم أنهم قد يجربون بعض المواد الغذائية الجديدة، لكنهم لا يتناولون أطعمة مختلفة عن روتينهم إلا قليلاً. - وأضاف "واهلين" أن مثل هذه الإجراءات الروتينية تساعد الأشخاص على التعامل مع تعقيدات حياتهم اليومية. - فعندما يجد المستهلكون على سبيل المثال خيارات كثيرة من الأطعمة في متجر البقالة، يميلون إلى اتخاذ قرارات سريعة مبنية على العادة. - ومن ثم يصعب تغيير سلوك المستهلكين، لأن خيارات الطعام والأنماط الغذائية جزء لا يتجزأ من الطريقة التي يعيشون بها. - لكن رغم ذلك يرى العلماء أن تغيير نمط الحياة بما في ذلك النظام الغذائي شيء ضروري ولا مفر منه، من أجل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن تصنيع الأطعمة. - يعني ذلك أن تناول كميات أقل من اللحوم الحمراء، وتناول المزيد من الأطعمة النباتية، وشراء الأطعمة الموسمية - بدلاً من شراء الفراولة في الشتاء على سبيل المثال - يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. التغيير الاجتماعي يحدث ببطء - يقول "واهلين" إنه على الرغم من الكثير من المناقشات التي دارت خلال العقد الماضي حول التأثير الضار لإنتاج اللحوم على البيئة. - لكن لم يكن هناك سوى تغيير طفيف في استهلاك اللحوم في ألمانيا، ويربط "واهلين" ذلك بفكرة اعتبار تناول اللحوم تعبيراً عن المكانة، وهي الفكرة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. - ويعتقد "واهلين" أن هناك تغييراً تدريجياً، لكنه يرى أنه لكي تكون هناك منتجات جديدة ومستدامة يستخدمها الناس على نطاق واسع، يجب أن تكون هذه المنتجات مريحة ومتناسبة مع روتين المستهلكين الحالي، وطرق إعدادهم للطعام. - بينما ترى "شرزان" أن هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لتوعية الأشخاص بشأن تأثير خياراتهم في الطعام على الكوكب. - وتقترح "شرزان" أن يتم تضمين المعلومات الخاصة بالبصمة الكربونية لإنتاج الأطعمة المختلفة ومقدار المياه المستخدمة في تصنيعها في ملصقات الطعام، لأن من الصعب على المستهلكين أن يعرفوا وحدهم الأطعمة المستدامة بيئياً. - ومن بين التدابير الأخرى التي تم اقتراحها فرض الضرائب، حتى تكون المنتجات الصديقة للبيئة هي الخيار الأفضل من حيث التكلفة، بالإضافة إلى زيادة كميات اللحوم المستدامة أو البدائل النباتية للحوم في متاجر البقالة. - وترى "شرزان" أن الأشخاص يمكن أن يتبعوا أنظمة غذائية أكثر استدامة، إذا فكروا في تأثير ما يريدون تناوله على البيئة، وإذا ما اختاروا الأطعمة التي يشترونها وفقاً لما هو أفضل لصحتهم وما هو أفضل لكوكب الأرض.
مشاركة :