من كلمات الزعيم الوطني المصري محمد فريد النيرة والوطنية: «سلام عليك أيها الوطن المفدى، سلام على النيل وواديه، سلام على الأهرام وبانيها، سلام على خدام مصر المخلصين، سلام على شهداء الحرية». بدأ محمد فريد مشواره النضالي بانتقاله من مرحلة مناهضة الاستعمار إلى محاربته ومجابهته، والتصدي له، ومطالبة الجماهير بطرده من البلاد، وقبل رحيله عن الوطن الذي عشق ترابه، كتب رسالته الأخيرة من فراش المرض وهو يعاني «أرى فجر الأمل يرسم على الأفق خطى النور اللامع». أما مسيرته فتلك قصة، إذ لا يمكن الحديث عنه مفصلا، فالأولى هي حلقة ذات صلة بالنضال الثاني، وكلاهما مهد الأرض لميلاد أول دستور مصري والمعروف بدستور 23 كما كان محمد فريد صاحب جريدة (اللواء) وبجانب ذلك قرر تأسيس حزب وطني يناهض الاحتلال هدفه الاول المطالبة بالجلاء، فكان الحزب الوطني الذي تأسس في سنة 1907، وجعل من قضية الاستقلال الوطني همه الأول، كما تبنى أيضا الدعوة إلى الدستور، إلا أن القدر لم يمهل الزعيم (مصطفى كامل) فبعد مرور عام على ميلاد الحزب توفاه الله ليترك ميراثا ثقيلا على كاهل محمد فريد بكل الوسائل المطالبة بالدستور للبلاد وخروج وجلاء الاحتلال البريطاني. وفي عام 1908، انتخب الزعيم محمد فريد رئيسا للحزب الوطني، ليضع تطورات جيدة للتحركات الوطنية والشعبية، باعتباره واحدا من المثقفين المصريين، وكان ذا فكر قومي، حيث إنه مهد الأرض أمام جموع الشعب، كي تنجح المطالبات الأساسية التي جعلها هدفا وطنيا (الجلاء والدستور) فقد بدأ الاهتمام بكل طبقات الشعب الكادحة، ما مكنه من الاقتراب من قيادات المصانع، كما وضع تشريعا للعمال يراعي فيه مصالحهم، وليبعد عنهم البؤس والجهل والإرهاق، كما أنشأ نقابات للعمال من أجل ترقيتهم والعناية بأحوالهم وشؤونهم المعيشية، كذلك أسهم في تأسيس نقابة للصناع بالقاهرة وهي نقابة عمال المصانع اليدوية، وإنشاء ناد في بولاق وأسهم في إنشاء العديد من الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية في القرى والمدن، كما اهتم أيضا بمطالبة أنصاره بالاهتمام بالحركة التعاونية والمشروعات الاقتصادية واعتبر هذا عملا وطنيا من الدرجة الأولى، وسعى الى تأسيس مدارس الشعب الليلية لتعليم الصناع والعمال مجانا، وأسس العديد من المدارس في القاهرة والمدن الأخرى، لتأكيد إلزامية التعليم لكل مصري ومصرية، كما أنشأ الجمعيات الخيرية، وهو من عمل أيضا على إنشاء مدرسة ثانوية في كل مدينة، وكان من أهم العناصر المهمة مشروع الجامعة المصرية، واكتتب في مشروع الجامعة المصرية مبلغ مائتي جنيه سنويا، وكما يفعل كبار الثوار دعا لتوعية الشعب بمخاطر الامتيازات الأجنبية، وكان دعا الجماهير إلى قراءة نصوص الاتفاقيات الدائرة بين القصر والاحتلال. ولقد سعى الزعيم محمد فريد إلى تشكيل منظمات سرية يكون هدفها الكفاح المسلح ضد الاحتلال، وكان يرى أن الاحتلال ومساندته هو عار على كل مواطن مصري. ولم يقبل بالحلول الوسطية، وعندما أبدى بعض النواب البريطانيين ممن يتظاهرون بالتعاطف مع القضية المصرية أن يتنازل عن طلب الجلاء رفض مطلبهم ولم يأخذ برغبة بعض المصريين ممن يؤمنون بأنصاف الحلول متهمين إياه بالعنف، أكد لهم أنه لا مجال في ذلك فالجلاء لا بد منه وخروج القوات البريطانية. ولولا جهود الحزب الوطني لما نشبت ثورة 1919 التي بثها الحزب في مصر، وكان مقدرا لهذه الثورة أن تقوم قبل ذلك بسنوات. وخلال زعامته عارض امتداد فترة مد امتياز قناة السويس حتى عام 1968. وقد وضع محمد فريد صيغة موحدة للمطالبة بالدستور طبع منها عشرات الآلاف من النسخ، وجعلها موقعة ليتم إرسالها إلى الخديوي. ونجحت الحملة، وذهب فريد إلى القصر يسلم أول دفعة من التوقيعات، وكان عددها 45 ألف توقيع، وكان الاحتلال يستميل القيادات الوطنية وطبقات التجار الكبار بإجراءات السلطة والمناصب، إلا أن هذه الأمور باءت بالفشل؛ نظرا إلى رؤية محمد فريد بأنه لم يكن بحاجة إلى أي جاه، وهو الذي ترك حياة الرغد إلى الكفاح، وكان والده يمتلك ألفا ومائتي فدان، إلى جانب قصر فخم في شارع شبرا مساحته 5 أفدنة، وله أيضا امتلاك عمارتين بشارع الطاهر، ولم يدخل معترك السياسة إلا دفاعا عن الحقوق وفي سبيل هذا الهدف بدد ثروته. لقد تعامل محمد فريد مع النضال الوطني بمنطق الفلاسفة، التخلص من الاستعمار وكتابة دستور البلاد، كما سعى إلى مخاطبة العالم كله للتعريف بقضية المصريين ورغبتهم في الحرية والاستقلال، وفي عام 1900 أسس جريدة اللواء باللغات العربية والفرنسية والانجليزية، وكان سعيه في هذا أن يطلع عليها المثقفون الأجانب من أجل طرح القضية الوطنية في الاوساط العالمية، وعندما تعرض لضائقة مالية استغلت لندن الفرصة وأوفدت إليه رسولا يعرض عليه إحدى الوزارات، وقال له: «كلفت بحمل هذه الرسالة لعلمي بحرج مركزك المالي» ولندن مستعدة بكل ما يلزم لك، فرد محمد فريد رافضا بقوة وقال أي مركز في الحكومة له قيمة ما دام الإنجليز في مصر. قال عنه السياسي البريطاني هنري كوتون: «إنه أحد الرجال العظماء الذين يقدمون مبدأ التضحية أولا والذين عانوا في سبيل خدمة قومهم». وأمام صلابته لم يجد الاحتلال سوى إصدار أوامر بالحبس، وظلت المضايقات تطارده من الاحتلال الانجليزي، فغادر مصر إلى تركيا وفرنسا وألمانيا، إلى أن وافته المنية يوم 15 نوفمبر عام 1919، بعد أن رأى ثمار مجهوداته تطرح في الساحة المصرية بلهيب ثورة 1919 إلى أن جاء تحقيق وضع دستور البلاد عام 1923؛ أي بعد أربع سنوات من رحيله، وعند قيام ثورة 1919 بارك محمد فريد قيام هذه الثورة بأن أرسل برقية تهنئة إلى (سعد زغلول) وبعدها، جاءته المنية، حيث توفي في برلين ودفن هناك بعيدا عن أحضان الوطن الذي أخلص له، حتى جاءت الأقدار بشخصية وطنية عظيمة أسهمت في عودة الجثمان إلى مصر في مايو عام 1920. وكانت المحطة البارزة في مسيرته أن ترأس الحزب الوطني في 14 فبراير 1908 بعد وفاة مصطفى كامل، وأنفق كل ثروته في سبيل القضية المصرية.
مشاركة :