الشرق الأوسط يغرق في سحب كثيفة من العواصف الترابية

  • 7/12/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قضى العراقيون الشهرين الماضيين وهم يكافحون لمواصلة حياتهم العادية في سحب كثيفة من الغبار، حيث ضربت البلاد تسع عواصف رملية على الأقل، استمرت كل منها عدة أيام. وأبلغت المستشفيات عن زيادة في حالات المرضى الذين تستقبلهم مع تسجيلها الآلاف من المرضى المصابين الذين يعانون من مشاكل تنفسية حادة، كما اضطرت المدارس والمكاتب إلى إغلاق أبوابها وتقرر تعليق الرحلات الجوية لعدة أيام في كل مرة تضرب فيها عاصفة جديدة. وقال عزام علوش مؤسس جمعية الطبيعة الخضراء غير الحكومية “طبيعة العراق” لمؤسسة تومسون رويترز من منزله في بغداد “لا أستطيع الخروج دون أن أسعل أو أضطر إلى تغطية فمي”. وذكر أن العاصفة الأخيرة أبقته في المنزل لمدة يومين، فهو يعاني من الربو. وليست العواصف الرملية والترابية جديدة في العراق وإيران وسوريا ودول الخليج الأخرى. وتكررت تاريخيا في الأشهر الحارة الممتدة من مايو إلى يوليو عندما حملت الرياح الشمالية الغربية القوية كميات كبيرة من الغبار في جميع أنحاء المنطقة. كل عاصفة رملية وترابية تمر عبر مساحة تقدّر بآلاف الكيلومترات يمكن أن تسبب كوارث في العشرات من البلدان لكن العواصف التي شهدتها هذه الدول خلال السنة الحالية هبّت في وقت أبكر وكانت أكثر تواترا. وتجاوزت المعدل الطبيعي الذي كان يقتصر على مرة أو مرتين في السنة، وانطلقت في شهر مارس وضربت مساحة أكبر. وبينما تكافح الحكومات للتعامل مع هذه العواصف، يقول علماء البيئة والمسؤولون الحكوميون إن التهديد ناتج عن مزيج من تغير المناخ وممارسات إدارة المياه السيئة مما يزيد من تحويل تربة المنطقة إلى رمال. ويحذر العلماء من أن ارتفاع درجات الحرارة وأنماط الطقس المتغيرة يشيران إلى أن هناك ما هو أسوأ في المستقبل ما لم تتمكن الحكومات من التعاون لخفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ وتقليل الآثار الصحية والمالية لأمواج الرمال التي تجتاح المنطقة. وقال نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة آسيا والمحيط الهادي كافيه زاهدي إن “زيادة حالات الجفاف تشكّل مصدر قلق خاص”. ويرى أن على الدول المتضررة الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر والتنبؤ، وصياغة سياسات أكثر كفاءة لإدارة المياه والأراضي، ووضع إجراءات للتأمين والحماية الاجتماعية لمساعدة المجتمعات الأكثر هشاشة على التعافي من العواصف. عاصفة مثالية عواصف رملية تعكر الحياة عواصف رملية تعكر الحياة يمكن لكل عاصفة رملية وترابية تمر عبر مساحة تقدّر بآلاف الكيلومترات أن تسبب كوارث في العشرات من البلدان. فهي تلحق الضرر بالمباني وخطوط الكهرباء والبنية التحتية الحيوية الأخرى، وتتلف المحاصيل، وتقلل من رؤية السائقين وتعطل النقل الجوي والسكك الحديدية، وفقا لتقرير البنك الدولي لسنة 2019. ويقول التقرير إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تخسر حوالي 13 مليار دولار سنويا بسبب آثار العواصف الرملية، ويشمل ذلك تكاليف التنظيف والتعافي وعلاج المشاكل الصحية وانخفاض الإنتاجية. وقال كافيه مدني وهو عالم أبحاث يركز على العدالة البيئية والأمن والدبلوماسية في كلية سيتى بنيويورك، إن الحكومات المحلية والدولية تجاهلت المخاطر التي تشكلها العواصف الرملية والترابية لفترة طويلة. وتابع مدني الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس إدارة البيئة الإيرانية، إن هذه القضية العابرة للحدود والأجيال تزداد خطورة كل سنة. الحرارة المتزايدة وسوء إدارة المياه والممارسات الزراعية غير الفعالة لعقود أدت إلى تدهور الأراضي وسهّل التقاط الرياح لجزيئات الغبار وجرّها عبر مناطق شاسعة وأضاف في مقابلة بالهاتف “إنه لأمر مخيب للآمال حقا أن نرى عدم اعتراف الوكالات الحكومية والعلمية الرئيسية بواحدة من أكبر المشاكل البيئية في القرن الحادي والعشرين”. ولطالما كان الشرق الأوسط مثقلا بشكل طبيعي بالرياح القوية والتربة الجافة والطقس الحار، والتي توفر معا الظروف المثالية للعواصف الرملية والترابية. لكن خبراء المناخ يقولون إن الحرارة المتزايدة وسوء إدارة المياه والممارسات الزراعية غير الفعالة لعقود أدت إلى تدهور الأراضي في جميع أنحاء المنطقة، مما سهّل التقاط جزيئات الغبار وجرّها عبر مناطق شاسعة. وأظهر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في مارس أن درجات الحرارة في الشرق الأوسط ارتفعت بنسق أسرع بمرتين من المتوسط العالمي منذ تسعينات القرن الماضي. وحدد أن 85 في المئة من المياه تُعتمد في الاستخدامات الزراعية في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقول خبراء المناخ إن الممارسات الزراعية غير المستدامة مثل الرعي والاستخدام المفرط للمواد الكيميائية والآلات والري المفرط تساعد في دفع التصحر في المنطقة. ويرى مدني أن المسببات تشمل سلاسل السدود الموجودة على بعض الأنهار الرئيسية في المنطقة، حيث يمكن أن تمنع تدفق المياه إلى الأراضي الرطبة. كما يمكن للنزاعات أن تجبر المزارعين على الفرار وترك أراضيهم قاحلة وجافة. وقال “أضف إلى هذا المزيج مشكلة إزالة الغابات وتغيير استخدام الأراضي والأراضي الزراعية المهجورة (…) وستجد وصفة لمزيد من العواصف الترابية المتكررة والشديدة”. دبلوماسية الغبار الممارسات الزراعية غير المستدامة مثل الرعي والاستخدام المفرط للمواد الكيميائية تساعد في دفع التصحر بالمنطقة الممارسات الزراعية غير المستدامة مثل الرعي والاستخدام المفرط للمواد الكيميائية تساعد في دفع التصحر بالمنطقة قال إريك سولهايم الذي كان مديرا تنفيذيا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بين 2016 و2018، إن العلاقات السياسية المتوترة بين بعض البلدان الأكثر تضررا من العواصف الرملية تعرقل المفاوضات بشأن كيفية معالجة المشكلة. لكن بعض الدول بذلت جهودا فردية لمكافحة العواصف الترابية في المنطقة. والتزمت المملكة العربية السعودية بزراعة 10 مليارات شجرة داخل حدودها بهدف الحد من انبعاثات الكربون وعكس اتجاه تدهور الأراضي الزاحف. ويعدّ هذا هدفا طموحا لدولة ذات موارد مائية متجددة محدودة. ويمكن للأشجار إحياء الأراضي الجافة عن طريق حبس المزيد من مياه الأمطار في الأرض وإبطاء تبخرها، بينما تربط جذورها التربة وتمنع التعرية. وأطلق معهد “مصدر” للعلوم والتكنولوجيا، ومقره أبوظبي، سنة 2016 نظاما على شبكة الإنترنت يوفر خرائط في الوقت الفعلي تقريبا لتركيزات الغبار الجوي والملوثات الأخرى في المنطقة. لكن خبراء البيئة الذين تحدثوا مع مؤسسة تومسون رويترز قالوا إن الإجراءات الحالية ليست كافية لإعداد المنطقة للعواصف الترابية الشديدة التي قد يتسبب فيها تغير المناخ المتفاقم. وقال مدني إنه “ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وجادة في الشرق الأوسط لمعالجة مسألة العواصف الترابية، فإن نتائج مثل الهجرة القسرية يمكن أن تحول هذه الظواهر من مشكلة إقليمية إلى عالمية”. ويشغل سولهايم اليوم منصب كبير مستشاري معهد الموارد العالمية، وهو من بين العديد من الخبراء والمسؤولين الذين يدعون إلى إجراء محادثات المناخ للأمم المتحدة هذا العام في مصر والعام المقبل في الإمارات العربية المتحدة لتشكيل منتدى للحكومات للانخراط في الدبلوماسية التي تهدف إلى كبح جماح كوارث العواصف الرملية. وقال إن “العديد من القضايا البيئية الأخرى موجودة على رأس جدول الأعمال، لكن الحديث عن العواصف الرملية والترابية لم يتم في محادثات المناخ. حيث يُنظر إلى المشكلة على أنها قضية ثانوية على الرغم من كونها واحدة من أكثر المشاكل البيئية ضررا للإنسان”.

مشاركة :