"تمرين على اليقين" قصيدة طهمازي الوريثة لأنشودة مطر السياب

  • 7/13/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تفرد الناقدة العراقية نادية هناوي كتابها الأخير لدراسة قصيدة "تمرين على اليقين" لمواطنها الشاعر عبدالرحمن طهمازي. والقصيدة كما تصفها هناوي في مقدمة كتابها، الذي جاء بعنوان "الطائر المكدود في البحث عن اليقين المفقود"، "فلتة شعرية" ومثال على "القصيدة الأعجوبة" بعد قصيدة السياب الشهيرة "أنشودة المطر". وتوضح هناوي أن هذه القصيدة تتسم بحيوية شكلها الفني وغزارة مدلولاتها وعبورها الأجناسي وتباعدها الفكري الذي "حرف التخييل إلى وجهة تضادية تتطلب تعاملا خاصا معها". وتضيف أن قصيدة "تمرين على اليقين" تمثل "شعرا عاشر نثرا، ونثرا جانس شعرا"، وهي قصيدة نثر "قائمة بذاتها وحدها، وعابرة لأجناس الشعر كلها، فهي الواحدة التي فيها الاجتماع، والمجمع الذي التمّت فيه الواحدة". وعلّلت هناوي، في كتابها الصادر عن دار غيداء للنشر، فرادة هذه القصيدة بما عرف به طهمازي من اهتمام بالتفكير في التخييل، مشيرة إلى أن ممارسته للنقد ساهمت في توكيد هذا التعالق بين الفكر والشعر. وأكدت أنّ من يرجع إلى كتاباته النقدية ويقارب بينها وبين رؤاه الشعرية، سيجد أنّ لديه ميلا واضحا ونزوعا ذاتيا عميقا نحو "الفلسفة الفينومينولوجية أو الظاهراتية". "الطائر المكدود في البحث عن اليقين المفقود" فلتة شعرية ومثال على "القصيدة الأعجوبة" بعد قصيدة السياب "أنشودة المطر" ومن دلائل ميل طهمازي إلى الفلسفة الفينومينولوجية، بحسب الناقدة، احتفاء قصيدته "تمرين على اليقين" بظواهر الطبيعة وتشريف فعلها أو التوجس منه بحسب ضرورات هذه الظواهر التي تعني مناصرتها “إيثار الحدس والبداهة في حبها الذي هو وجه آخر لحب الفلسفة وحب المعرفة”. وتوضح الناقدة أن شعر طهمازي يتسم بالتركيب والازدواج اللذين يحتاجان من القارئ إعمال الذهن والتدبر لإدراك علاقات الرموز وأنساق تشكل الصور. وهذا ما ترى أنه "سبب عزوف النقاد عن تناول تجربة طهمازي الشعرية". وتقوم أطروحة الكتاب، التي امتدت عبر خمسة فصول، على أن "تمرين على اليقين" قصيدة نثر عابرة، لاشتمالها على عمليات الضم والتنظيم وميكانيزما التعابر والترابط. وبحسب هناوي فإن العبور الأجناسي (الذي هو نظريتها الخاصة في قضية الأجناس الأدبية) ليس شكليا، بل هو عملية فكرية غايتها مواجهة المتضادات. وهو في هذه القصيدة "حدس بطبيعة التنظيم، والوعي بأهمية القالب، ثم تقوية هذا القالب بجمالية إدماج كلِّهِ بأجزائه والتوغل في دواخل النص مع احتساب خوارجه أيضا". وبناء على ذلك توزعت فصول الكتاب بين البحث في الخصائص التجنيسية للقصيدة وأبنيتها الجمالية ومساربها الفكرية والتناصية. وسبقت الفصول بتمهيد تنظيري ناقش علاقة الشعر بالفلسفة، وكيف أن الشعر نظير التفكر في الوجود، وبالتناظر الوجودي بين الشعر والحياة تكون أساسات الشعر واحدة. وتوضح الناقدة أن هذه القصيدة عابرة على المستويين الإبداعي الشعري والإنتاجي الفكري، وأن تعاضد هذين المستويين هو "مقتضى من مقتضيات التنظيم الذي يجعل القصيدة أشبه بمختبر ما بعد إبداعي لاكتشاف خفايا القالب الأجناسي وما يلعبه التنظيم من دور في تقوية أبعاد هذا القالب ومنحه المزيد من متاحات العبور وممكناته". وتقول هناوي في هذا السياق "هيمنت قصيدة "تمرين على اليقين" على الأجناس الأخرى داخلها، مؤطرة إياها بقالبها الذي هو من الاتساع ما يسمح بأن يجتمع الموزون والمقفى وغير الموزون من دون تنافر في الخطاب الشعري الذي صبّ في قالب لا تنفرط عقدته مهما تعددت الأجناس المعبور عليها. ويكون السرد عاملا مهما في العبور باستعمال تقانات الحوار والتناص والتوالي التي ركزت على عنصر الدلالة ونبذت عنصر الصوت". القصيدة تتسم بحيوية شكلها الفني وغزارة مدلولاتها وعبورها الأجناسي وتباعدها الفكري الذي حرف التخييل إلى وجهة تضادية تتطلب تعاملا خاصا معها. ومن مقاطع القصيدة المدروسة نقرأ “من هؤلاء الخاملون الذين يتهاوون في/ أنفسهم؟/ من أي مادة حاكهم الحائك؟/ لماذا لا/ يميطون اللثام عن يقظتهم التي لا ثمن لها؟ ينتظرون/ أمثالهم ولا يبرحون، أيها الماضي ارحل إلى ماضيك/ أنت. لماذا لا تريم؟ أم الدم الفاتر لا يملأ جرحك/ ليلتئم؟”. ويذكر أن الكتاب يفتتح بمقدمة ضافية بعنوان “قصيدة من فيض ماضينا.. قصيدة من ومض آتينا”، ثم تمهيد بعنوان "قصيدة النثر والعبور الأجناسي”، ليكون مدار الفصل الأول "تمرين على اليقين وأجناسية قصيدة النثر العابرة"، ويضم ثلاثة مباحث، فيها يدرس الفصل الثاني "تمرين على اليقين وميكانيزما التعابر"، أما الفصل الثالث فيبحث في “تمرين على اليقين ليست نصا مفتوحا" وفيه تناولت المؤلفة مسائل ثلاث هي: التخييل والأحلام/ النبذ والطفرة/ التناص. وتهتم هناوي في الفصل الرابع من كتابها بتتبع مسارب الفكر الظاهراتي في قصيدة “تمرين على اليقين”، معالجة موضوع المقدمات التجريبية في شعر طهمازي علاوة على التسربات الظاهراتية في قصيدته موضوع البحث. ويختتم الكتاب بفصل خامس حول صيغ عبور القصيدة إيقاعيا، سواء من جانب العبور البصري والذهني على الشفاهي، أو عبور الدلالات على انتظام الأصوات. ويشار إلى أن صفحات الكتاب الداخلية تتضمّن لوحات تخطيطية مستوحاة من أجواء القصيدة بريشة الفنان العراقي يحيى الشيخ.

مشاركة :