تعتبر مكتبة الاسكوريال من أهم المكتبات التاريخية الأسبانية وتقع وسط المعقل التاريخي للبلاط الإسباني الصرح المعروف باسم سان لورينزو دي إسكوريال، الذي شرع ملك أسبانيا فيليب الثاني في بنائه عام 1563م وقد وهبه كل مجموعته الخاصة من الوثائق كما قام بالاستحواذ على أفضل المكتبات والكتب المهمة من أسبانيا والدول الأخرى، ونقلها إلى مكتبته كما تشتهر مكتبة الإسكوريال في أسبانيا بما تحويه من كتب ومخطوطات قديمة وأعمال علمية وأدبية لعلماء عرب في القرون الوسطى، وزخارف الفنان تيباليدي وهي زخارف على قبة المكتبة عبارة عن صور تمثل الفنون السبعة الحرة كما تحتوي المكتبة أيضاً على وثائق أثرية وكان الملك فيليبي الثاني نفسه كان يهتم بجمع الكتب، وسعى إلى شرائها من جميع المناطق، وطلب من سفرائه تزويده بكل ما يطبع في أماكن وجودهم، وأوصاهم بشراء المخطوطات المتوفرة، واستطاع بذلك جمع نفائس الكتب والمخطوطات. وتحتوي المكتبة على حوالى 45000 قطعة بين مجلد ومخطوط وخرائط ورسوم ومنحوتات ونقود، والكثير منها يعود إلى القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر وتتميز المكتبة بسقفها المزين بالصور وأرضيتها من المرمر كما صعنت رفوفها من الخشب الثمين. غرفة كاملة وكانت هناك غرفة كاملة مكرسة للمخطوطات القديمة باللغات اللاتينية واليونانية والعربية والآرامية والإيطالية والفرنسية والأسبانية، وهذه تضمنت كتباً تمت مصادرتها خلال فترة محاكم التفتيش في أوروبا، وغدت المكتبة من أكبر مكتبات العالم في ذلك العصر وكان يدعوها الأسبان بـ«ثامن عجائب الأرض». لكونها مكتبة تزخر ليس فقط بالكتب، بل أيضاً بالأدوات العلمية والخرائط والأعمال الفنية لأعظم فناني العصر، وبحلول عام 1602، كان للمكتبة مجموعة كبيرة من الخرائط وأكثر من 150 أداة حسابية كما يوجد قسم خاص للمخطوطات القديمة كجزء مكمل للمكتبة وتشكل المخطوطات العربية جزءاً منها، وقد تم جمع هذه المخطوطات من مناطق مختلفة من أسبانيا وخارجها، وكان السفير ميندوثا في البندقية قد لعب دوراً مهماً في نقل الكثير من المخطوطات إلى الإسكوريال، وحصلت المكتبة على كمية كبيرة من المخطوطات العربية تقدر 4000 مخطوط عام 1612م بعد اختطاف سفينة السلطان السعدي مولاي زيدان، عندما قام قائد السفينة الفرنسي الذي كلف بنقل هذه الكتب من مدينة اسفي إلى مدينة أغادير، ثم هرب بها متجها نحو فرنسا، وصادف أن اعترضته السفن الأسبانية وصادرت كل ما في السفينة بما فيها المخطوطات. وهناك مجموعات أخرى أضيفت إلى المكتبة أيضاً ومنها مكتبة كوندي لوكي. مخطوطات لقد اهتم الكثيرون بدراسة وفهرسة مخطوطات الإسكوريال، من بينهم الدكتور يوسف زيدان ومحمد سليمان والمستعربة الإسبانية أورورا كانوا، الأستاذة السابقة في جامعة أوتونوما في مدريد، وآخرون، ويختلف عدد المخطوطات في الإسكوريال حسب الفهارس المعدة، فالبعض يعدها حوالى الألفي مخطوط والبعض يصل بها إلى ثلاثة آلاف. وكانت الملكة صوفيا ملكة أسبانيا قد أهدت قبل سنوات ميكروفيلم عن مخطوطات الإسكوريال إلى مكتبة الإسكندرية في مصر. قصة الحريق تعتبر مكتبة الإسكوريال إحدى أهم المكتبات التاريخية في العالم، لاسيما بفضل مخطوطاتها اليونانية والعربية النادرة لكنها خسرت الكثير من الكتب بفعل الحريق الذي نشب في عام 1671م والذي أتلف آلاف من المخططوطات ثم تعرضت مرة أخرى للتلف بسبب الحروب التي خاضتها أسبانيا في حربها ضد فرنسا. وقد قام العديد من الباحثين بدراسة وفهرسة مخطوطات مكتبة الإسكوريال، لعل أشهرهم الراهب اللبناني ميشيل كازيري الذي أصدر فهرساً لمخطوطات الإسكوريال في مجلدين بين 1760م و 1770م، ومن الذين قاموا بفهرسة كتب الإسكوريال المستشرق ديرنبيرغ ويذكر أن مكتبة الإسكوريال على نقيض مكتبات القرون الوسطى، كانت تستحوذ على الأعمال المنشورة وتصدر مطبوعاتها في بلدان أخرى، بدلاً من تجميع الكتب واعتماد النسخ والتصوير لإنتاج المخطوطات والوثائق كما كانت تفعل المكتبات الأخرى في ذلك العصر. تاريخ عريق ورغم الخسائر الكبيرة، فإن ما تبقى في مكتبة الإسكوريال يعد ثروة بحد ذاته من كتب ومخطوطات مزخرفة قديمة كالمخطوطات التي تعود للإمبراطورية الأوتونية 1045م -1046م، وتراث من المخطوطات العائدة للقرون الوسطى وأعمال بيوتس، فيرجيل، وأعمال الفونسو العاشر المعروف بالحكيم وكتاب «كرونيكل أوف تروي»، الصادر عام 1400م، وكتب الساعات للقرن الخامس عشر لألنسو دي زونيغا، ووثائق خاصة بملوك أسبانيا، تضاف إلى ألوف الوثائق والكتب الدينية، والمخطوطات العربية التي تجعل مكتبة «الإسكوريال» واحدة من الذخائر الأهم للدراسات الإسلامية ومن ضمن محتويات مكتبة الإسكوريال أيضاً توجد مجموعة أخرى كبيرة نادرة من المجلدات منها الكامل في اللغة للمبرد، والاقتضاب في شرح أدب الكُتَاب لابن السيد البطليوسي، القانون في الطب لابن سينا، منافع الأعضاء لجالينوس وغيرها الكثير. وبعد وفاة فيليب الثاني في عام 1598 أكمل فيليب الثالث عمله بشتى الوسائل بما في ذلك الحصول على غنائم الحرب، كما حصل مع مجموعة المغربية لمولاي زيدان في عام 1614م التي تضمَّنت حوالى 4000 مخطوطة عربية .
مشاركة :