اصطدم وزير التربية والتعليم المصري طارق شوقي بمواطنين صبّوا غضبهم على أداء وزارته بعد أن شهدت امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) واقعة هي الأولى من نوعها حينما ظهرت صور متداولة لأسئلة امتحان مادة الفيزياء التي خاضها الطلاب، الخميس، من داخل سيارة خارج لجنة الامتحان أثناء انعقاده. وأكد وزير التعليم أنه جرى ضبط المتسببين في تصوير بعض أسئلة مادة الفيزياء من داخل السيارة التي ظهر جزء منها في الصور المتداولة، وحاول التخفيف من حدة الواقعة بأن الصور من أوراق الامتحان الاحتياطي ولا تخص طالب بعينه. ولم تقنع رؤية الوزير التي كتبها على صفحته الشخصية على فيسبوك، والتي تحظى بعدد كبير من المتابعين، الرأي العام المحلي وضاعفت الجدل لأن الصور من نفس الامتحان الذي خاضه الطلاب في ذلك اليوم، وهو ما دفع طارق شوقي للاتجاه نحو المزيد من التفسيرات لإبعاد الاتهامات المستمرة عن وزارته. وبدلاً من أن يتحمل الوزير المسؤولية السياسية مباشرة باعتباره المسؤول الأول عن تنظيم الامتحانات حاول تبرئة ساحته وحمّل المجتمع برمته مسؤولية انتشار الغش، قائلا “الغش مسؤولية مجتمع بأسره وليس وزارة أو حكومة أو جهاز أمني”. كمال مغيث: المجتمع قد يكون مساهمًا في انتشار أزمة الغش وتعامل الوزير مع اتساع رقعة الغش في امتحانات العام الجاري على أنه أمر طبيعي، وبدا ممتعضاً من ردود فعل أولياء الأمور الذين تخوفوا من انعدام تكافؤ الفرص بين الطلاب، وألقى في تعليقه المطول على فيسبوك الذي حمل عنوان “رأي صريح” التهمة على المجتمع، قائلا “الكثيرون يعلقون على الغش كأنهم تفاجأوا بينما الواقع يشير إلى أنها (ظاهرة الغش) موجودة بكثافة”. وتشير الأرقام الرسمية لوزارة التربية إلى ضبط أكثر من 70 حالة غش بوسائل مختلفة أغلبها تكنولوجية منذ بداية امتحانات البكالوريا، لكن هذه الأرقام ليست دقيقة. وكشف تفاعل الطلاب أثناء وجودهم داخل لجان الامتحانات على تطبيق “تليغرام” المستخدم بكثافة هذا العام في الغش الإلكتروني، عن وجود حالات عديدة لا يجري ضبطها أو تدوينها في البيانات الرسمية. وتجاهل وزير التعليم الذي يقبع في منصبه منذ خمسة أعوام، على الرغم من الانتقادات التي تطاله بشكل مستمر، المشكلات الحقيقية التي تقود إلى انتشار الغش وبدا مستسهلاً عملية تحميل أولياء الأمور والمجتمع نتيجة ما يحدث من فوضى تعم بعض لجان الامتحانات المعروفة بالغش الجماعي. ولفت إلى أن قضية الغش تعكس جذور المشكلة وهى “انحسار الرغبة الحقيقية في التعلم وتعاظم الشهية لدرجات وشهادات بلا تعلم وبأيّ طريقة”. ويشير الواقع إلى أن تراجع جودة التعليم داخل المدارس وانقطاع طلاب المرحلة الثانوية عن الذهاب إليها والاكتفاء بالدروس الخصوصية أحد أبرز الأسباب التي تجعل هناك اهتماما فقط بمكان اجتياز الاختبارات وليس أماكن التعلم. وأكد الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية (حكومي) كمال مغيث أن المجتمع قد يكون مساهمًا في انتشار أزمة الغش، غير أن الحكومة تملك الآليات وبيدها سلطة اتخاذ القرار وتسهم في إقرار التشريعات وتدير عملية الامتحان، بالتالي فالمسؤولية الأكبر تقع على عاقتها. وقال في تصريح لـ”العرب” عندما شددت الحكومة قبضتها القوية وطبقت العقوبات الرادعة على كل من يتورط في الغش لم يكن هذا القدر من الفساد موجودا، حيث تفاقم تسهيل الغش في لجان كانت الامتحانات تسير فيها بصورة منتظمة. وأشار إلى أن المراقبين كانت لديهم صلاحيات أكبر مما هي ممنوحة لهم الآن وامتلكوا قدرة على إلغاء امتحان الطالب دون الحاجة إلى تحرير محاضر للغش إذا كان القائم به متلبسًا. كما أن العملية التعليمية كانت منتظمة بصورة أكبر، بما انعكس على أخلاقيات الطلاب بخلاف ما هو سائد الآن، وأسهمت أجهزة الدولة في الوصول إلى الحالة الراهنة التي تغيب فيها معايير التعلم الحديثة وبات الغش ظاهرة مرضية بعد اختراق جسم التعليم. وتشارك جهات أمنية عديدة في عملية تنظيم الامتحانات وحماية أوراق الأسئلة والإجابات، ما يشي أن الحكومة وأجهزة الدولة مسؤولة عن عملية انضباطها. ويعبر وضع المسؤولية على كاهل المجتمع عن محاولات تخفيف الضغط عن الحكومة التي تواجه حالة من الإحباط في الشارع جراء ارتفاع أسعار المحروقات وتأثيره على ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتعريفات وسائل النقل والمواصلات. بدلاً من أن يتحمل الوزير المسؤولية السياسية مباشرة باعتباره المسؤول الأول عن تنظيم الامتحانات حاول تبرئة ساحته وحمّل المجتمع برمته مسؤولية انتشار الغش ودائما ما تكون مشكلات التعليم أحد أبرز الثغرات التي تنفذ منها الانتقادات الشعبية إلى صدر الحكومة، وسبق أن جرى إبعاد الوزير طارق شوقي عن الظهور إعلاميًا جراء مشكلات مختلفة تسببت فيها تعليقاته المستمرة وقادت إلى الغضب من الحكومة. وجاءت المظاهرات الوحيدة التي اندلعت واستمرت لأيام خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي بسبب مشكلات نتائج امتحانات البكالوريا العام الماضي. وبسبب تصريحات شوقي الأخيرة قد يصبح الوضع قابلاً للتأزم من جديد بين الحكومة وشريحة كبيرة من المواطنين على أرضية مشكلات التعليم المتفاقمة. وضاعف وزير التعليم من حدة الغضب ضد وزارته حينما طالب الرأي العام بعدم الجدل حول واقعة الغش الأخيرة، وطالب أولياء الأمور بعدم الحديث حول إذا ما كان الامتحان المتداول من الأساسي أم الاحتياطي، ما يعني أن رؤيته التي قدمها للواقعة تشوبها شكوك. ويقول متابعون إن وزير التعليم المصري افتقد الحصافة السياسية اللازمة حينما حمّل المجتمع برمته مسؤولية الغش، لأن قضية التعليم أحد أبرز محددات الأمن القومي وأجهزة الدولة مسؤولة عن انتظامها والتعامل مع المشكلات التي تجابهها. ويضيف المتابعون أن فئة من المواطنين يتملكها شعور متنام أن قضية التعليم لم تأخذ الاهتمام الواجب كما هو الحال بالنسبة إلى مشروعات البنية التحتية والمرافق والطرق العامة، ولذلك يتزايد الغضب ضد الحكومة كلما حدثت أزمة عبّرت عن حجم الإهمال الذي طال قطاع التعليم، إلى جانب أن هناك مشاريع تطوير طويلة الأجل كان من المفترض تنفيذها منذ سنوات مازالت حبيسة أدراج جهات حكومية.
مشاركة :