أكد أستاذ العلوم السياسية المصري الدكتور مصطفى الفقي أن زيارة الرئيس الاأمريكي جو بايدن إلى السعودية، ولقاءه مع الزعماء الخليجيين والعرب في قمة جدة للأمن والتنمية، فتحت الكثير من الملفات المغلقة وأسهمت في تقديم صيغة جديدة للعديد من القضايا الدولية والإقليمية.وأشار المستشار السياسي السابق للرئيس مبارك، وأمين عام المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية، في مقالة نشرتها صحيفة «إندبندنت عربية» إلى أن المملكة نجحت في إعادة التماسك العربي، ووحدت الصف من خلال القمة التي استضافتها جدة قبل أيام.وشدد على أن «احترام السيادة» احد أهم المكاسب التي حققتها القمة الأمريكية العربية، بعدما تفهمت إدارة الرئيس جو بايدن الخصوصية لكل دولة والقيم التي يجب أن تحترم.مؤشرات وظروفوقال الفقي «تحيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة إلى مؤشرات توحي بأهمية خاصة لتلك الزيارة من حيث التوقيت والظروف الإقليمية والدولية المصاحبة لها، فالحرب الروسية الأوكرانية دفعت العالم إلى التعامل مع ملفات كنا نتصور أنها قد أغلقت ولو مؤقتا، وبلغ التصعيد مداه من الجانبين ولعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا في إشعال الموقف واستفزاز رجل الكرملين بمجموعة عقوبات مضت فيها مع دول أوروبا الغربية في محاولة لإحياء حلف «الناتو» ومحاصرة روسيا الاتحادية سياسيا واقتصاديا بل ورياضيا أيضا.ويؤكد أن «المشهد بدا مقلقا في مجمله، خصوصا في ظل إدارة أمريكية تفتقر إلى الكاريزما، وضاعت هيبتها بانسحابها المخزي من أفغانستان وتراجع دورها في السياسات الإقليمية في المناطق المختلفة وفي مقدمتها الشرق الأوسط، فضلا عن أن هذه الإدارة الأمريكية لم تتمكن من الحفاظ على وعودها الانتخابية وخضعت للواقع وقدمت المصلحة على المبدأ وهذا أمر طبيعي لا نجادل فيه كثيرا».دور جديدويستدرك السياسي المخضرم قائلا «لكن الغريب أن تلك الإدارة غير المهتمة بقوة واشنطن ومكانتها، تحاول أن تمارس دورا مختلفا عما قامت به الإدارات السابقة في العقود الأخيرة خصوصا إدارة ترمب، ونحن بالمناسبة لا نجادل في مخاطر إيران على المنطقة خصوصا على عرب الخليج ودول المشرق، ولكننا في الوقت ذاته لا نعتقد بإمكانية تشكيل «ناتو عربي» كما رددت وسائل الإعلام في الأسابيع الأخيرة، فالأمر أكبر من ذلك وأكثر تعقيدا».ويشير إلى أن زيارة بايدن «نوع من الاشتباك بين العلاقات الإقليمية والدولية على ساحة المنطقة، فإذا كانت القوى المهمة في الشرق الأوسط وغرب آسيا خارج نطاق البلدان العربية هي إيران وتركيا وإسرائيل، فإنه من الطبيعي أن يسعى العرب إلى توحيد الصف والهدف والفكر حتى نخرج من الدائرة المحكمة التي تحيط بعالمنا العربي وقضيته الأولى في فلسطين، فضلا عن محاولة الأقوياء الحصول على ما يستطيعون من ميزات بغض النظر عن مصالح شعوب المنطقة وآمالها الحقيقية.مغازلة الحلفاءويقرأ مدير مكتب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك المشهد بصورة مختلفة، فيؤكد أن هناك بعض الأمور حكمت زيارة بايدن إلى المنطقة، فالإدارة الأمريكية الحالية «تحاول استثمار المشهد الدولي الراهن لاستعادة جزء من هيبة واشنطن ومغازلة الحلفاء القدامى والأصدقاء التاريخيين بما في ذلك السعودية ومصر والأردن وربما العراق أيضا، لكننا لا نتصور أن تتغير الأمور بين يوم وليلة وأن يرفع الستار فجأة عن البطل القادم من البيت الأبيض بينما كل الأمور تشير بغير ذلك».ويشير إلى أن العالم عاش فترة الحرب الباردة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، و»تصورنا أو توهمنا أن الحرب العسكرية بمعناها الشامل لا يمكن أن توجد على الأرض الأوروبية اكتفاء بالصراعات بين الأطراف في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولكن الذي حدث جاء بمفهوم مختلف، فقد أدرك الجميع أن قلب أوروبا ليس بمنأى عن العودة لا إلى حرب باردة لكن إلى حرب ساخنة».احترام السيادةويؤكد الفقي أن المملكة ومصر أكثر المستفيدين من قمة جدة، بعدما أكد على مبدأ «احترام السيادة»، ويقول «إذا كنا نعتبر أن مصر والسعودية مستفيدتان من هذه الزيارة لو أحسنتا التعامل معها فإننا نضيف إلى ذلك أن حوار السعودية بين زعماء الخليج والرئيس الأمريكي في حضور مصر والأردن والعراق هو إعلاء لمنطق التفاهم بين الأطراف خصوصا في ظل الانتقادات الأمريكية بل والغربية عموما لملف حقوق الإنسان بين دول المنطقة، فلقد جاء الأوان لتطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول ومحاولة فهم خصوصية كل أمة مع دراسة الإطار الثقافي الذي تتحرك فيه مجموعة القيم والتقاليد السائدة في كل مجتمع، فضلا عن مناخ الحرية المتاح الذي يختلف من دولة إلى دولة بل ومن نظام إلى آخر.تماسك عربيويشدد السياسي الخبير على أن «قمة جدة» كشفت عن توحد وتماسك عربي، ويؤكد «المشهد العربي الراهن يملك درجة لا بأس بها من التماسك بعد المصالحات الخليجية - الخليجية، والقطرية - المصرية، وبذلك فإننا أمام محاولات جادة لخلق مناخ عربي صحي يسمح بالحوار البناء والتفكير الموضوعي، وإذا كانت هناك بعض القضايا المعلقة مثل مسألة الإخوان المسلمين وقضية وجودهم السياسي في بعض دول الخليج فإن ذلك لا يفسد للود قضية، خاصة أن مصر ذاتها تتجه إلى مرحلة لا يمكن تجاهلها وأعني بها الدعوة إلى الحوار الوطني تمهيداً لإعلان الجمهورية الجديدة التي بدأت ملامحها منذ مليونيات الحشد الشعبي المصري في 30 يونيو، والتي كان من نتائجها إسقاط حكم الإخوان وولاية المرشد وانطلاق القاطرة المصرية نحو التنمية الشاملة وتوظيف العنصرين الطبيعي والبشري، وينسحب ذات الأمر على عدد كبير من الدول العربية».ويتابع «هناك تحولا اقتصاديا كبيرا يحاول نقل الدول العربية في الخليج خصوصا السعودية من مرحلة الاقتصاد الريعي الذي عشنا فيه سنوات طويلة إلى اقتصاد متعدد الجوانب تلعب السياحة دورا ملحوظا فيه، بل إن أخطر الأمور هي أن العقل العربي ذاته قد بدأ يتغير سياسيا».طبول الحربويؤكد الدكتور مصطفى الفقي أن أحد الأسباب المباشرة لزيارة بايدن هي الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة التي سيعانيها كل من كانوا يعتمدون على البترول والغاز الروسي، و»إحساس الولايات المتحدة الأمريكية بأن ردود الفعل من جانب موسكو قد تدخل في مراحل أعلى من العنف والتهور على نحو لا تجدي معه الأساليب الدبلوماسية، وهنا نكون بحق على حافة حرب شاملة قد لا تخلو من محاولة استخدام السلاح النووي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مخاطر العصر وعلامة بارزة مع الحرب الكيماوية لما يمكن أن نطلق عليه أسلحة التدمير الشامل».ويشير «في ظني أن أوروبا الغربية هي الخاسر الأكبر من كل ما جرى، وهي التي ستعاني في الشتاء المقبل الحد الأقصى من أزمة الطاقة فضلا عن أن هناك دولاً في مناطق مختلفة من العالم ستتضرر هي الأخرى لا من الطاقة الواردة من روسيا فقط، ولكن أيضا سيلعب القمح والحبوب الغذائية الأخرى مثل الذرة دورا في الأوضاع الحياتية والظروف الاقتصادية لدول عديدة كانت تعيش على وارداتها من الحبوب الغذائية التي تصل إليها من دولتي روسيا وأوكرانيا. خلاصة القول، إن زيارة بايدن قد جاءت في توقيت شديد الحساسية بالغ الأهمية في إطار التحولات الإقليمية الحالية والتغيرات الدولية المعاصرة».4 محاور وضعها الفقي لزيارة بايدن:01 محاولة الولايات المتحدة الأمريكية استعادة وجودها في المنطقة.02 التأكيد على احترام سيادة كل دولة وعدم التدخل في شؤونها.03 نجاح السعودية في توحيد المشهد العربي الراهن.04 أزمة الطاقة ومواجهة آثار الحرب الروسية الأوكرانية04 أزمة الطاقة ومواجهة آثار الحرب الروسية الأوكرانية
مشاركة :