ماذا يقصد أوباما بقوله «الشعوب المتحضّرة»؟

  • 12/24/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

صحيح أن الاستغراق في إبراز الطائفية والمذهبية يشوّه الأديان فتصبح نقيضاً للمساواة والديمقراطية وتعجز عن توليد مجتمعات حرّة بين البشر حتّى ولو جمعهم المعتقد الواحد، والصحيح أيضاً أنّ التاريخ السياسي أعني البشري خلّف الكوارث الحضارية عبر تشويه القيم والتنافر والتنابذ والتقاتل والحقد الدفين الذي يهشّم جوهر البشر فلا يحرر العقل ولا تترسّخ حضارة. قد تعيدنا هذه المعضلة فوراً إلى العقول السياسية القاسية الباحثة، وبكلّ الوسائل، عن السيطرة على الأراضي واضطهاد الشعوب والحياة الإنسانية الخاصة والعامة، والقرارات والأقوال والمواقف، ليس في طبقات القرار الخارقة التي تدير العالم، بل في ما يتجاوزه وصولاً إلى الحفر تحت أسس الأديان والمجتمعات الأخرى ورموزها وهياكلها ومعابدها وشعوبها بهدف تقويضها. قد ينزاح جوهر المعتقد اليهودي لمصلحة الصهيونية فلا يعود يعني الكثير الاصطفاف المتساوي في الكنيس. وهذا الأمر ينطبق على المسيحيين حيث تفخّم أمكنة الصلاة لتحفظ لكبار القوم تحقيقاً للأعراف الإمبراطورية المنقرضة التي نراها اليوم تتجدّد سياسياً فوق عروش الدول العظمى. لدى المسلمين نرى الكلّ كباراً وصغاراً ومهما اختلفت درجاتهم الاجتماعية يتربعون فوق السجاد في الصف الأوّل من الجوامع وحولهم شرائح المؤمنين من فقراء الإسلام. أمّا المنبرية فظاهرة عامّة لا يحظى بها سوى رجال الدين في الشرق والغرب. تلك مسألة معقدة في خلط السياسة بالدين إذ مهما مطّ السياسي عنقه يلويه شيئاً أمام مرجعية الإيمان. وهنا أميّز بين عالمين: I- عالم الغرب الذي طلّق قيم الدين، بأنّ: مملكتي ليست من هذا العالم، أوأعطنا خبزنا كفاف يومنا، أو لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض ذاهباً نحو غزو ممالك الأرض والتخمة في السياسة والاقتصاد والأسلحة والحروب ناسياً معاني الصورة والقيم السماوية فحصرها بالتوحش والقتل على حساب الرحمة، وتحديداً في حقول الشعوب المقهورة والنامية. II- العالم الثاني مقيم في عبادة الله والاستعانة به والبقاء على الصراط المستقيم. هنا تبطل كنوز الأرض وينفضح عقل الغرب المحشوّ بنسخ تواريخ غيرهم وتشويهها على الأقل. بعد تجويف المسيحية أو تشويهها، تبرز اليوم معضلة القرن التي تدفع الشعوب الأخرى دفعاً لتكيّفها مع الليبرالية والحقوق العالمية غير الموجودة أصلاً. أفضل مثال هو الإرهاب الذي تحرث جماعاته أرض العرب والمسلمين وتبذر الصراعات المذهبية لتزعزع الشرق أمام ابتسامة الغرب الخبيثة. تتغذّى وتتفشّى هذه البذور التي تفصل الشعوب بين متحضرة وغير متحضرة، بأمثلة لا تنتهي من الخراب في بلاد المسلمين. كان من الطبيعي أن يتّجه المسلمون في ردود فعلهم وفقاً لمحاور ثلاثة: أوّلاً، اعتبار الصراع الديني مفروضا من الخارج وكأنه قائم أصلاً ويمكن إحياؤه، بعد مئوية من استيلاد الحروب الغربيّة وهطولها فوق بلادهم، وهو صراع غير ممكن التحكّم بسلبياته عندما يربطون الأحداث الكبرى التي تحصل في الشرق الأوسط به أي بالغرب منذ سقوط شاه إيران، وصولاً إلى سقوط البرجين وما تلاه من أحداث جاءت بموجب القرار الدولي 1337 القاضي بمكافحة الإرهاب عنوان القرن. ثانياً، اعتبار هذا الصراع مبعث احتقار ورعب بعدما نظر الغرب إلى المسلمين بعين حمراء من ركام البرجين إلى ملاعب باريس، وبسبب ما سيخلّفه هذا المناخ من كوارث ليس في بلاد الشرق الأوسط بل في العالم متحضراً أو غير متحضّر. حتّى أمس كان الاعتبار الثالث الليبرالي الأكثر دقّةً والأدنى وعياً في النظر إلى هذه الصراعات المذهبية بكونها سترفع الأغطية الكثيرة عن الأنظمة لتعيد تشكيل المنطقة العربية وفقاً لمناخٍ أو لنظام عالمي جديد في عصر الانفتاح والتواصل وخرق الحجب السميكة وذلك كلّه عبر الانقلابات والحراك الحزبي والشعبي. أيعيرنا الغرب سمعه وعقله خارج حقول الدم والتدمير؟ قال الرئيس باراك أوباما معلّقاً على تفجيرات باريس: وصل الإرهاب إلى البلدان المتحضّرة هكذا إذن؟ ما الفرق بين متحضر وغير متحضر؟. هل نعيد نشر ما كتبه آرنولد توينبي في تعريف الحضارة؟ هي أكبر من زلّة لسان تستدرج أطروحات حول ازدواجية المواقف والتمييز بين الشرق والغرب في عصر كنّا نتصور فيه سقوط ملامح الاحتقار والعداوة والحروب بين عالمين لربّما سهّلت تكنولوجيا التواصل دروبه نحو التثاقف والتلاقح. لنقبل أنّ أوباما يجيب بشكل غير مباشر على سلفه جورج بوش الذي تساءل منذ عقد ونصف أي بعد 11 أيلول: why they hate us? أي لماذا يكرهوننا؟ هو كان يقصدنا فيصنفنا معاقل كره ولا نكره، ويصنفنا أوباما غير متحضرين ولا بدّ للعودة إلى توينبي للتعرف الى ينابيع الحضارة، إلاّ إذا كانت بلادنا لم تتغير النظرة إليها ولا قيمة لها ولا تصلح سوى للحرائق والكوارث ونهب الكنوز وتجريب الأسلحة الذكية. بصراحة اشرحوا لنا باللغة الإنجليزية ماذا تقصدون بالشعوب المتحضرة كي نناقشها معكم باللغات كلّها لربّما نتفاهم وندرّسها لأجيالنا في مدارسنا وجامعاتنا.

مشاركة :