معرض الكتاب: نجاح يليق بجدة | لمياء باعشن

  • 12/24/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

مرّت أيام معرض الكتاب سريعًا، وتركت الناس في حالة عجيبة من الاستزادة والتلهّف، كانوا يقفون حتى آخر لحظة أمام دور النشر وأصحابها، يجمعون الكتب، ويصفّونها في الكراتين. وجاءت الرسالة القوية في نهايته لترد على كل من ادّعى أن الناس في بلادنا لا يقرأون، وأن الكتاب الورقي في طريقه للاندثار، وأننا لا نبالي بالثقافة، ولا بالاطّلاع. تلك الجماهير الغفيرة التي كانت ترتاد المعرض ليل نهار، رغم بُعد المسافة، والزحام المروري، وطوابير التفتيش عند الدخول، أثبتت بقوة أن حبَّ المعرفة مازال بخير. بالطبع كان معرضًا ناجحًا نجاحًا مبهرًا، ولن أتردّد في إسباغ المديح والإعجاب، فمن السهل أن نذهب إلى مكان ضمّ هذه الاحتفالية الثقافية الضخمة، ثم نخرج دون أن نتأثّر بما حولنا؛ لأننا ما نظرنا إلاَّ إلى حضورنا، وتجوالنا، وحصولنا على الكتب التي أعجبتنا. لكنّني منذ حفل الافتتاح لم أستطع مقاومة الإحساس بأن هناك أيديَ كثيرة جمعت كل تلك التفاصيل الصغيرة، وعملت جاهدة لإخراج فكرة (معرض كتاب) على هذا النحو البديع. سيقول البعض إنَّ الجو اللطيف، والبحر المجاور أعطى المعرض دفعةً قويةً على طريق النجاح، لكنَّ الجوَّ والبحرَ ليسا في الداخل، ولا علاقة لهما بتجربة التسوّق، وربما ننسى البحر، والنسائم الباردة ونحن منهمكون في تفحّص، وتصفّح تلك الكنوز من الكتب. إن كان هناك علاقة فهي الذوق العالي في اختيار الموقع الساحر، وهو ذوق منعكس على فعاليات الافتتاح الراقية، وعلى الديكورات الضوئية للمداخل، وعلى اتّساق الألوان، وعلى ترتيب المواقع، وعلى التنظيم الهائل. كلّ يوم كنتُ أبتهج برؤية رجال المرور وهم يتحرّكون بهمّة عالية لتنظيم حركة السيارات في الخارج بلا ملل، وبرجال الأمن وهم ينفذون بحزم هادئ خطة الدخول إلى المعرض، والخروج منه، رغم كل المحاولات للتحايل، واختصار المسافات. كل يوم كنتُ أشكر رجال ونساء الأمن وهم ينظّمون صفوف الزوّار بكل أدب وهدوء، ويقومون بالتفتيش بسرعة ودقة متناهية. كل يوم كنتُ أفتخر بشباب وفتيات كلهم حيوية ونشاط ينتشرون في كل مكان ليساعدوا الزوار ويرشدونهم ويمنعون وقوفهم في الممرات كي لا يعيقوا حركة المرور. كل يوم كنتُ -وغيري- نتسوّق، ورجال الهيئة، ورجال الشرطة يتجوّلون بيننا، ويؤمِّنون حرية وراحة المتسوّقين. كان المعرض يُفتح لساعات طويلة، والناس يتوافدون بالآلاف، رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، كلّهم يتحرّكون في الداخل والخارج بانسيابية ويسر؛ لأن هناك آلية تنظيمية ملتزمة لا تحيد عن خططها المرسومة. في قلوب الناس كانت هناك بهجة تمثلت في إقبالٍ تعدّى 800 ألف زائر، ومبيعات تجاوزت 100 مليون ريال. الناس مبتهجون، ومقبلون، ومشترون، كل هذه بوادر خير، فلا يفسد علينا فرحتنا مَن يدّعي أننا نحب اقتناء الكتب، لكنّنا لا نحبذ قراءتها، وأننا نفاخر بمكتبات عامرة، ونعجز عن سكب محتوياتها في عقولنا. الكتب في البيوت لابد أن تشجع تدريجيًّا على القراءة، والشراء الجماعي للكتب لابد أن يبث روح الحماس بين المشترين، ويدفعهم للتنافس في الاطلاع. سأشيد بالإنجاز الذي حققه معرض جدة للكتاب عن جدارة، وأهنئ القائمين عليه بنجاحهم منقطع النظير، وأقول لهم صادقة إن جهودهم قد بُذلت في مكانها، وآتت أُكلها، وأن تعبهم محل تقدير وامتنان، فهنيئًا لجدة بتحقق حلمها الذي طال انتظاره، وهنيئًا لجدة بأمير منطقتها الدافع والمحفز والملهم خالد الفيصل. والشكر موصول لعدد ضخم من العاملين بإخلاص لإنجاح هذه الظاهرة الثقافية الحضارية الرائعة كل في موقعه في الجهات المنظمة: الأمارة والمحافظة ووزارة الداخلية ووزارة الثقافة والإعلام وهيئة الأمر بالمعروف وغرفة جدة التجارية.

مشاركة :