«اقتربت (إيلا) مني ثانية… وهمست ببطء ونعومة: أعرف أنك تحبينني، يا كلير. (أجبتها) بالتأكيد، أحبك. ردّت: سأبقى هنا من أجلك… سأكون لكِ (دائماً)». إذا كان هذا النص الذي يأتي في الصفحتين 7 و8 من كتاب «أغنية من أجل إيلا غراي» لا يعطي صورة واضحة عن فحواه، فربما ما يرد في الصفحة السادسة أكثر وضوحاً: أمسكت (إيلا) بوجهي وأخذت تتأمل في عيني. قالت: «شكراً». أجبتها: «شكراً على ماذا؟». ردّت: «على جمعنا سوياً… لو لم تتصلي في ذلك اليوم... (لما كنا سوياً اليوم)». ثم قبلتني على الشفاه». إذا كان القارئ لم يسمع بعد بالكتاب، فإنه لا يُلام إذا ظن أنه مخصص للبالغين فقط. فهو لا يتناول فقط علاقة بين فتاتين، بل يحفل أيضاً بكلمات نابية (شتائم بذيئة) وقصص عن معاقرة الخمر وغيرها من المواضيع التي يُتوقع للوهلة الأولى أن أي كاتب سيحرص على أن تبقى بعيدة من أعين الأطفال كيلا يتأثروا بها ويقوموا بمثلها. لكن الكتاب ليس للبالغين أبداً. إنه، بالعكس، للصغار، على رغم أنه يروي قصة علاقة قامت بين الشابة إيلا (17 سنة) وصديقتها المفضّلة كلير وكيف تبادلتا القبل للمرة الأولى وشربتا زجاجات نبيذ. وربما لم يكن كثر ليهتموا بالكتاب لو لم يفز مؤلّفه ديفيد ألموند للتو بجائزة أفضل كتب الأطفال (عن فئة قصص الخيال) لعام 2015 التي تمنحها صحيفة «الغارديان» الليبرالية الراقية. لم يمر ذلك في الواقع مرور الكرام، بل أثار احتجاجات واسعة في بريطانيا تركّزت على إشكالية منح جائزة لكتاب من هذا الصنف، علاقة بين صبيتين، تحت خانة «قصص الأطفال». كانت كاتبة قصص الأطفال المشهورة لين ريد بانكس إحدى أشد المنتقدات للكتاب بعدما اشترت نسختين لحفيدتيها البالغتين 12 سنة. وقالت هذه الكاتبة التي اشتهرت بروايتها «الهندي في الخزنة»: «في الصفحات الخمس الأولى هناك علاقة بين فتاتين، شتائم، معاقرة خمر، وما يكفي من الدلائل على أن هذا الكتاب ليس كتاباً للأطفال». الكاتبة التي قالت أنها ستعيد الكتابين فوراً إلى المكتبة التي اشترتهما منها، أوضحت أنها اشتكت إلى صحيفة «الغارديان» لمنحها الكتاب جائزتها الأولى. وأصرّت على أنه لا يصلح للأطفال، بل يجب أن يكون للبالغين فوق سن 17 سنة. وشرحت ريد بانكس في مقابلة مع برنامج «توداي» في إذاعة «راديو 4»: «مشكلتي مع الغارديان تكمن في أنها منحت الجائزة تحت عنوان جائزة كتب الأطفال… لو كان هناك فقط جائزة منفصلة لكتب المراهقين الصغار البالغين لكان (ألموند) فاز فيها. إنني متأكدة من ذلك». وكما هو متوقّع خرج مؤلف «أغنية من أجل إيلا غراي» ليدافع عن الكتاب في وجه المنتقدين، قائلاً: «إن الكتاب يقرأه (الأطفال) من هم في عمر 12 و13 سنة، وأنا أتلقى ردوداً رائعة منهم. إنهم يشعرون (بما ترويه القصة) عن عملية النضوج في شكل درامي جميل ولكن مثير للقلق». وأقرّ بأنه كان يفكّر عندما كتب القصة في أنها تتوجّه إلى المراهقين في عمر 17 سنة تقريباً، كون القصة تُروى على لسان فتاة (كلير) في هذه السن، وعن قصتها هي شخصياً مع رفيقة لها في الفئة العمرية ذاتها (مع إيلا). قد تكون قصة إيلا وكلير فعلاً مروية بطريقة مشوقة وبأسلوب سلس ما يبرر منحها جائزة «الغارديان». لكن مشكلتها الأساسية، كما هو واضح، أنها تندرج تحت خانة قصص الأطفال. وفي حين يرجّح أن يدافع ليبراليون عن صوابية إثارة قصة الحب هذه بين الأطفال الذين يقفون على حافة النضوج ويمرون بما مرت به الفتاتان، إلا أن المنتقدين من التيار المحافظ سيجادلون بالتأكيد أن الأطفال يجب أن يُتركوا أطفالاً كي يكبروا في شكل طبيعي، من دون إدخالهم في إشكالية جواز إقامة علاقات بين أشخاص من الجنس نفسه أو عدم جوازه، وتصوير الأمر لهم وهم في سن الطفولة كأنه أمر طبيعي!
مشاركة :