رسائل من الموتى وإلى الموتى 'بعلم الوصول'

  • 7/21/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لأول مرة أقرأ مسودة كتاب، فحين طلبت مني الصديقة الكاتبة د.نرمين صلاح رأيي في مسودة كتابها، والذي حمل عنوانه "بعلم الوصول"، ولأني ما زلت من أبناء المدرسة القديمة التي تحب الكتب الورقية، قمت بطباعة المسودة وقراءتها، أعترف أن كلماتها لمست قلبي، دمعت عيناي مع أكثر من قصة، خاصة مع رسالة حبيبتي، لأنها رسالة على لسانها من العالم الآخر، كل أبطال الرسالة من أسرتها وأهلها، وأنا أعرف أسرتها جيدا، هالني أن تكتب ذلك، وربما تكون أكثر الرسائل المؤثرة في نظري. الكتاب عبارة عن 11 رسالة من أشخاص مختلفة لكل رسالة مغزى وتناقش من خلاله حالة إنسانية، تربوية، مجتمعية. تبدأ صلاح كتابها بالرسالة الأخيرة وهي على لسان حارس المقابر الذي ورث تلك المهنة أبا عن جد، الذي يقول في رسالته: "علمني أبي أن للموت وقارا، وللأموات حرمة، قال لي إني سأرى الكثير وأسمع الكثير، قال لي إن للقبور روائح، تشبه كثيرا رائحة ساكنيها، وكنت أظنه يبالغ. عشت أرى وأسكت، يزورني جيراني في المنام، فأعرفهم بقلبي، حتى وإن لم أر وجوههم أبدا" ثم يحكي كيف كان يضع الأهل والأصدقاء الرسائل على القبور لمن رحلوا، ثم يقول عن تلك الرسائل "فأسعدت من أسعدت، وذبحت بقسوتها من ذبحت". ففي رسالة "أبي وشيخي ومعلمي" تعرض كيف أن مجتمعنا غارق في الإزدواجية والحكم على الناس بالظاهر، من خلال رسالة البنت إلى أبيها التي جاءت قوية وفاضحة ومعرية لهذه الإزدواجية من خلال والدها الشيخ الذي كان يظهر عكس ما يبطن، ويدعي الصلاح وهو يأتي الموبقات سرا، حالة البنت هي حالة كل مغيب يرفض تصديق الشواهد والأدلة فيلجأ إلى التبرير فقط ليثبت لنفسه أنه لم يكن مخدوعا أبدا، ولكن المشكلة في عقول الناس التي لا تفهم أو في قلوبهم التي لا تشعر. وكأم لم تغفل صلاح أثر التربية القاسية على نفسية الأبناء فكانت رسالة من أم إلى ابنها المنتحر بسبب قسوة والده، الذي كان يظن- ككثير من الرجال- أن القسوة هي التي تربي الرجال وتجعلهم أقوياء، يمتلكون الصلابة، قادرين على تحمل الصعاب، ولا يراعون الجانب النفسي للأبناء، ولا يلتفتون إلى أهمية التشجيع، والدعم الإيجابي، وأن الحب يظهر بالمواقف وأن القسوة تخلق شخصا يشعر بالعجز مهما كان قادرا، والفشل مهما كان ناجحا، وقلة الحيلة مهما كانت المهارات والقدرات.

مشاركة :