في بيانٍ لمجلس الأمن القومي الروسي أنّ قادة «الناتو» والأوكرانيين إن أصروا على التصعيد، فيمكن المصير إلى إلغاء أوكرانيا من الوجود! وتصرح جهات رسمية روسية منها وزير الخارجية أنّ الاستيلاء على دونباس ليس كافياً ولا بد من توسيعه من أجل الأمن القومي الروسي! الرئيس الإيراني قال لبوتين إنّ العدوان غربي، ولو لم تبدأ روسيا الحرب، لكان «الناتو» قد بدأها! ومن جهتهم يقول الأميركيون والغربيون إنّ الأوكرانيين بفضل تفوق السلاح الغربي، ومنها صواريخ هيمارس، أوقفوا في الأسابيع الأخيرة الزحفَ الروسي، وهذا ما دفع روسيا إلى التصعيد ومحاولة توسيع الحرب! لكن ماذا عما وراء خطوط القتال؟ الأوروبيون متضايقون جداً في الطاقة والغذاء. والروس يزيدون الضغط على ألمانيا وفرنسا لإيقاف التدفقات من الغاز من خط «نوردستريم-1» أو تخفيضها إلى حدود ثلاثين أو أربعين بالمائة. بينما يقول الهنغاريون (المجر) إنهم لا يستطيعون العيشَ من دون الغاز الروسي. ومن وراء الأميركيتين وأوروبا التي تعاني التضخمَ، بدأ الأفارقة، وبخاصةٍ المعوزون منهم، يعانون المجاعةَ، بسبب انقطاع الإمدادات الغذائية من أوكرانيا، والارتفاع الفاحش في الأسعار! أما المعسكرات فقد ثبتت إذا صحّ التعبير. الأميركيون والأوروبيون واليابانيون هم الذين صرحوا بمواجهة روسيا. بينما صرحت الصين وصرحت إيران بالانحياز إلى روسيا. وبقي معظم الآخرين المعتبرين، ومنهم الهنود والأتراك والعرب في الوسط. هم يعلنون الانزعاج من الحرب وأهوالها، كما يعلنون عن استعدادهم لتقديم المساعدات الإنسانية. وقد جاء الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية رجاءَ زحزحة الموقف العربي باتجاه المحور. وأظهر العرب استعدادَهم للدخول في الشراكة الاستراتيجية المعروضة عليهم. لكنّ ملفّ الطاقة ما تزحزح إلاّ قليلاً وعلى مديات متطاولة. بدليل حديث بوتين مع ولي العهد السعودي عن الاستمرار في «أوبك+». وقد تحدث الرئيس السيسي عن تزويد أوروبا بالغاز المصري المسال. في حين وعد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الفرنسيين بالتعاون في ملف الطاقة. كل هذه الأمور تبدو بطيئةً وبطيئةً جداً بالنسبة للأميركيين وحلفائهم. والواضح أنّ العرب لا يريدون الانحياز في هذه الحرب، وأنه لا بديل عن الغاز والبترول الروسيين، والغذاء الأوكراني والروسي! وقد اعتبر كثيرون (ومنهم الكاتب) قمةَ طهران بين روسيا وإيران وتركيا رداً على قمة جدة. لكنّ ذلك بدا متسرعاً. فتركيا لم تكد تتفق في شيء مع الحليفين، وإن أشادت بمسار أستانا، وذلك للمعارضة الشديدة من الحليفين ضد غزوتها الجديدة في سوريا. والثلاثة قالوا بضرورة جلاء الأميركيين عن مناطق شرق الفرات. وكل ذلك بعيداً عن أوكرانيا. أذكر أنه في العامين الأولين من الحرب اللبنانية (1975-1977) دأب بيار الجميل، رئيس «حزب الكتائب»، على التصريح بأن الاختلافات كثيرة، لكنّ حلها ممكن لو توافر الوسيط الكبير والنزيه. وقد تأمل الأكثرون في النزاع الروسي الأوكراني بالوساطة الصينية، لكنّ الصينيين وقفوا إلى جانب روسيا اقتصادياً وعسكرياً. والواضح أن الرئيس الفرنسي كان يأمل أن يكون وسيطاً مقبولاً. لكنّ الروس لم يقبلوا به، والأميركان أعرضوا عنه. والتركي حاول الوساطة الشاملة، ثم تواضع فصار وسيطاً في تمرير الحبوب الأوكرانية عبر الحصار الروسي! قال نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان: «فإن النار بالعيدان تذكى/// وإن الحرب مبدؤها الكلام». والكلام تهديد لكنه أيضاً سياسة وتفاوض. وإنما تبدأ الحرب بعد انتهاء الكلام. لقد تعب العالَم كلُّه من الحرب في أوكرانيا وآثارها. وخشيتُ على روسيا عندما قال بعض الخبراء الروس إنّ الأميركيين يريدونها مثل الحرب في أفغانستان! لا بد أن تنتهي هذه الحرب، لكن أين الوسطاء؟ *أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
مشاركة :