لعبة الكراسي

  • 12/13/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في الصغر، كنا نحب لعبة الكراسي ونتسابق عليها، لدرجة أن المدارس تجرى مسابقات للفصول والمراحل الدراسية على هذه اللعبة التي كادت تسحب البساط من تحت الألعاب الأخرى، وبالذات كرة القدم. اختفت هذه اللعبة من أوساط الصغار في المدارس، ولم يعد هناك حاجة لوضع الكراسي الخمسة في الساحات العامة، ومن ثم الدوران حولها من قبل ستة طلاب، ومع الصافرة يجلس المتسابقون ويخرج منهم خاسر ومعه يستبعد كرسي. مجريات الزمن تغيرت مع مفهوم الكراسي التي باتت في وقتنا الحالي إما نعمة أو نقمة لمن يجلس عليها، ورغم التشبث بها أحيانا والانجراف في مغريات قادت البعض إلى المحاكم والسجون، وقد تؤدي بهم لقضاء بقية العمر خلف القضبان. الفرق كبير بين كراسي الصغار في المدارس وكراسي المسؤولين في الأجهزة الحكومية، إذ أن الأخيرة «دوارة» وتلف بصاحبها وتعصف به إلى الهاوية، إن لم يحسن إدارته بما يرضي الله، ولعل ما حدث بعد كارثة سيول جدة كشف عن محاسن الكراسي ومساوئها مع اختلاف من جلس عليها ومن أدارها من الخلف لجني مصالح أو تضرر منها بطرق مباشرة وغير مباشرة. قبل عدة أعوام مضت، دخلت إلى دائرة خدمية حديثة الإنشاء في خدماتها، لكنها تقبع في مبنى مستأجر لا يليق بها، وعين مسؤول لهذه الدائرة واختير له مساعد في إدارة دفة العمل، وكان الفرق كبيرا بين المدير وبين مساعده، فالأول لا يبرح مكتبه ويتذمر من المراجعين وقد يطردهم من مكتبه إذا تعذر خدمته أو اصطدم بأنظمة لا تمكنه من تقديم الخدمة، وعلى النقيض تجد مساعده في صالات الانتظار يشرف وينظم ويبسط الإجراء ويتبسم في وجه المراجعين، بل ويصطحبهم إلى مكتبه لإفساح المجال في صالة الخدمات لمنع الزحام، وتجدهم يصطفون أمام مكتبه ويتفهمون منه الأنظمة بدون تملل أو انزعاج؛ لأن مقابلته البشوشة تجعلهم يقتنعون بما يقول. مرت الأيام، وشعر المدير بخطر المساعد بعد أن أحدث نقلة نوعية في تلك الدائرة وخلت صالاتها من المراجعين، وبدأ يكيل له الكيل بمكيالين، وسعى في الخفاء للتخلص منه ونقله للإدارة الرئيسية ليمكث وحيدا في إدارته بلا مساعد لكي يسرح ويمرح بدون منافس يسحب بساط الوجاهة من تحت قدميه ويضيع برستيج كرسيه الذي صمد لوحده بدون سعادة المدير. كفاءة المساعد في الإدارة الرئيسية أعادته للإدارة مرة أخرى، ولكنه عاد لها مديرا يكمل ما أحدثه من تنظيمات عندما قضى على الروتين وطوابيره في تلك الإدارة، والتي كانت تمتد بالساعات ومعاملاتها لا تنجز إلا بعد أيام وباتت حديث الناس، عاد ولم يكمل أشهرا حتى وضع آليات عمل هيأته لتولي زمام الإدارة الرئيسية في المنطقة، ويشرف بدوره على تلك الإدارة التي صنع بداخله مديرا من أكفأ الموظفين الذين تتلمذوا على يده. هذا المدير الناجح لم يتشبث بالكرسي، وكان يقضي جل وقته في صالات المراجعين ومكاتب خدمات الجمهور، واستخدم التقنيات الحديثة في إنجاز المعاملات، واستثمر الموظفين في أعمال ميدانية، وقضى على الزحام واكتظاظ المراجعين أمام شبابيك الخدمات. النجاحات التي حققها ذلك المسؤول في مجالات عمله في قطاعات فروع الوزارة التي مر بها نقلته بعد أعوام لمقر الوزارة في الرياض لكي يعمم تجاربه وتستثمر طاقاته وخبراته في تطوير آليات عمل أخرى، وأصبح مثال النموذج الفريد في تلك الوزارة بعد تطوير قطاعات مختلفة في المنطقة التي عمل فيها. أحد المقربين من ذلك المدير الناجح اتصل به مباركا «مبروك وتستاهل والله يعينك»، وممازحا له «أكيد وأنت صغير تجيد لعبة الكراسي»، يرد عليه برد الواثق «الكرسي ما يدوم لأحد، قدم خير تلقى خير، من أخلص في عمله، نور الله طريقه». بقي أن نقول لكل مسؤول يتباهى بالكرسي «لو دامت لغيرك ما آلت إليك».

مشاركة :