تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي، بين الحين والآخر، بأخبار حول أحداث تقع داخل اسوار المدرسة او في محيطها, تمثل السلوك العدواني من الطلاب تجاه بعضهم أو تجاه ممتلكات المدرسة وربما تجاه معلميهم ,ورغم كونها حالات فردية نادرة إلا أنها تحمل جانبا من الخطورة في بعض الأحيان, ولذا فالحاجة ماسة للبحث عن أسباب هذا السلوك وكيفية المعالجة, لاسيما أنه وبحسب بعض النظريات التي تفسره ليس فطريا ولا ينبع من سمات داخلية موروثة بل هو سلوك متعلم, وهنا تكمن أهمية دور المدرسة فهي المحضن التربوي الذي تتهذب فيه الأخلاق ويتقوم السلوك. بداية السلوك العدواني هو السلوك الظاهر والملاحظ والذي يهدف إلى إلحاق الأذى بالأخر أو بالذات، وهو ظاهرة سلوكية ملاحظة ومعروفة في سلوك الانسان السوي وغير السوي، وفي سلوك الطفل الصغير والراشد الكبير منذ القدم، ويتجلى ذلك من خلال ما أخبرنا عنه القرآن الكريم من أحداث عدوانية، مثل قتل قابيل لأخيه هابيل والاعتداء الذي حصل على يوسف عليه السلام من إخوته وإلقاءه في الجب، ورغم ذلك فهو سلوك غير شائع فالإنسان بطبعه يحب السلامة والعافية، وعلى مستوى المدرسة والأسرة فغالبا الطالب الذي تتشبع حاجاته بطريقة جيدة ويعيش في أسرة هادئة يقل لديه هذا السلوك، ويكون أكثر انضباطا واحتراما للآخرين، وهذا ما تؤكده بعض الدراسات التي أجريت على أبناء الأسر المتوافقة زواجيا وغير المتوافقة. والسلوك العدواني تختلف صور التعبير عنه باختلاف السن والثقافة وأسلوب التربية والتنشئة، وبشكل عام فهو يتمثل في عدد من المظاهر منها: العدوان الجسدي مثل الضرب والخنق والركل أو الدفع بشدة وقد يصل الى حد استخدام الادوات الحادة، ومنها العدوان اللفظي: كالشتم والسب والبذاءة في القول، والعبارات الجارحة واصدار أصوات الزراية والاحتقار ونحوه، ومنها العدوان الرمزي والذي يظهر من خلال قسمات الوجه كالتجهم والعبوس والنظرات الغاضبة والشعور بالفوقية والاستعلاء، وقد يظهر العدوان في صورة التمرد والعصيان والمخالفة كالشوشرة على المعلم اثناء الحصة ورمي الاوراق على الارض واحداث الضوضاء والخروج على النظام وهو ما يسمى في بعض الدراسات بالسلوك الضوضائي. وقبل الحديث عن المعالجة فلابد من معرفة الأسباب الداعية إليه فهي الخطوة الأولى في التصحيح، وكما يقال الوقاية خير من العلاج، ومادام الحديث عن دور المدرسة فإن المهم هنا ذكره من الأسباب هو ماله علاقة بالمدرسة إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولن يتم الحديث عن الأسباب الأخرى والتي تتمثل في الجانب الوراثي أو الاضطراب في وظيفة الدماغ والعوامل البيولوجية أو الظروف الأسرية والمجتمعية او العوامل النفسية او غير ذلك من الاسباب. فمن أسباب كون الطالب عدوانيا: التعامل مع الطالب بقسوة وتقليل مساحة الاختيار لديه وحرمانه من أمور عزيزة عليه وهذه تنمي روح الانتقام لديه مما يزيد درجة العدوانية, ومنها شعور الطالب بالنقص اما بسبب عاهه أو رسوب, أو وصفه من معلمه وزملائه بأنه غبي, فيحاول تعويض ذلك من خلال لفت الانتباه إليه, فالإحساس بالنقص يعبر عنه عبر منافذ متباينة من أهمها النزعة العدوانية, ومنها عدم اتاحة الفرصة للطالب ليعبر عن مشاعره وحاجاته بشكل حر, إما بسبب تسلط المعلم, أو استهجان لهجة الطالب وأسلوبه من زملائه, وقد يكون بسبب عدم مبالاة المعلم بالطالب أثناء الحصة الدراسية, فلا يستمع له ولايشركه في الأنشطة التعليمية, مما يسبب له اغتراب داخل الصف قد ينتج عنه سلوكيات خاطئة, ومنها اهمال السلوك العدواني لدى الطالب لاسيما الاطفال وعدم تنبيهه والتدخل للمعالجة المبكرة, ولا أعني التجاهل المنظم الذي يؤدي إلى انطفاء السلوك السلبي ولكن أعني اللامبالاة من المربي, أو التجاهل الذي قد يفهم منه الطالب رسالة تشجيعية غير مباشرة ويلاحظ هذا في تصرفات بعض الآباء, ومنها شحن الطالب ببعض الكلمات التي يفهم معناها خطأ مثل الرجولة والشجاعة والقوة, وينشأ عن ذلك أن تمثل القيم والمفاهيم الصحيحة مثل الصفح والشكوى والصلح على أنها من الضعف والعجز. وبمعرفة الأسباب السابقة وتفعيل بعض الوسائل الآتية تكون المعالجة والحد من هذا السلوك: من هذه الوسائل توفير البيئة المدرسية الآمنة المضبوطة بالمبادئ والاخلاق الاسلامية الرفيعة والقوانين التي تضمن لكل ذي حق حقه, والاعتدال في التعامل مع الطلاب بين ترك المجال لهم ليفعلوا ما يشاؤون وبين القسوة والافراط في الضبط , وأن يكون منسوبو المدرسة هم القدوة الحسنة في البعد عن السلوك العدواني تجاه الطلاب, فالدراسات تشير إلى أن ملاحظة نموذج عدواني يؤدي في الغالب لمحاكاة الأفراد له , ففي إحدى التجارب التربوية قام راشد أمام الطلاب بحل مشكلة معينة بطريقة فيها استجابات عدوانية غير مناسبة, ثم طلب بعد ذلك من الطلاب أن يقوموا بمعالجة المشكلة التي كان يعالجها القدوة, فتبين أن 90% من الطلاب تأثروا بالقدوة وحاكوه في طريقة معالجته للمشكلة, واستنتج من ذلك أن ملاحظة قدوة عدوانية أمر كافي لتنشيط السلوك العدواني. ومن الأساليب التي نؤديها المدرسة إتاحة الفرصة للطلاب لتفريغ الطاقة الهائلة لديهم، وذلك من خلال السماح لهم باللعب في حصة التربية البدنية أو من خلال الانشطة الصفية واللاصفية, فهذا يخفف من العدوانية , والدارسات تشير إلى أن إدراج الطلاب في مجموعة من الانشطة المختلفة مثل اللعب وتأليف القصص يؤدي الى انخفاض السلوك العدواني لدى الاطفال,ومنها تعزيز السلوك السلمي من خلال المكافئات والتشجيع, أحد المعلمين يعطي لطلابه نجمة نهاية كل حصة يكون الطالب فيها جيد التعامل مع زملائه ويتم تجميع النجوم نهاية الاسبوع والتكريم, وموجه طلابي يكرم الطالب الذي يمضي عليه الأسبوع دون شجار مع زملائه, ومناوب في الفسحة يستدعي طالبا أمام المدير ويشكره لحسن سلوكه وتعامله مع زملاءه ونحوها مما يحفز السلوك الايجابي ويبعد العدوانية, ومن الوسائل تدريب الطلاب على التعبير عن حاجاتهم وحقوقهم بطريقة مهذبة فيستخدم الكلمات المهذبة بدلا من يده, وإبداء الاستياء من المواقف بالكلمات دون الحركات, مثل هذا تصرف لا يعجبني أو غير لائق ونحوها, وأيضا تصحيح بعض المفاهيم مثل القوة والرجولة, فالقوي هو الذي يعرف حدوده, والشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب, والرجل هو الذي يمنع نفسه عن الخطأ, وهو الذي يأخذ حقه بالهدوء والعزيمة والوسائل المشروعة. ومنها الإشراف على النشاطات اليومية للطلاب، فهم بحاجة لمن يشاركهم ويشرف عليهم، وهذا من شأنه أن يبدي لهم مدى الاهتمام بهم، ويقلل من ظهور السلوكيات العدوانية الناشئة عن غياب الرقابة. ومنها تنمية روح التسامح والمعاني السامية مثل اللطف والكرم والعفو والصفح، ومما يساعد على ذلك: الحديث عن سعة رحمة الله وعفوه وكرمه وأنه يعفو عن المخطئ ويحب الرحماء، وذكر بعض سير السلف التي فيها الشهامة والكرم والاحتفاء بها، والأحاديث الداعية للرحمة والرفق، ويكون ذلك ضمن الحصة الدراسية أو في حصص الانتظار. وفي الختام فإن المدرسة قادرة بطواقمها التربوية المؤهلة وخبراتها الكبيرة على وأد هذا السلوك، وإشاعة السلوكيات الايجابية التي بها يرتقي المجتمع ويزدهر الوطن.
مشاركة :