وأخيراً وصلت إلى الصين ..لتلبية دعوة الرابطة الدبلوماسية العامة الصينية، للمشاركة في برنامج مركز الصحافة للدول العربية والصين لعام 2022، بعد عدة إجراءات دقيقة يخضع لها أي مسافر نظراً لما تبذله الجمهورية الصينية الشعبية من جهود جبارة لمحاصرة الوباء والوصول لمعدل صفر كورونا. ورغم أنني أخضع الآن للالتزام بإجراءات الحجر في مدينة تشنغدو إحدى أهم وأكبر مدن الصين في الجنوب الغربي للبلاد، والتي تعد أيضاً أحد أهم المراكز التجارية والنقل والاتصالات، إلا أنني لمست منذ وصولي الانضباط والالتزام الذي يميز هذا الشعب الجبار الذي ينفذ أوامر حكومته بإخلاص ودقة وتكاتف دون كلل أو ملل أو تسيب للقضاء على وباء كورونا الذي فتك بالاقتصاد الصيني وعطّل مصالح هذا الشعب الذي يشكل ربع سكان الأرض، إذ تعتبر الصين مركز ومصنع العالم التي تستورد المواد الخام وتحولها بأيادي الشعب الذهبية إلى سلع صالحة للتصدير، ابتداءً من الصناعات البسيطة الخفيفة التي أغرقت الأسواق العربية والعالمية، وانتهاءً بصناعة السيارات التي تنافس فيها الوكالات الكبرى بالدقة والإتقان. منذ أن وطأت قدماي أرض مطار تشنغدو وأنا أجول بعيني لمراقبة ما يحدث من إجراءات وقائية وفحوصات ألزمتنا بها الحكومة الصينية من قبل الدخول وحتى لحظة دخولنا!! المطار تحول إلى مستشفى، حيث يرتدي طاقم العمل كله من عسكريين إلى مدنيين إلى طاقم طبي زياً بلاستيكياً وقائياً باللونين الأبيض والأزرق يغطيهم تماماً، مع ارتداء واقٍ بلاستيكي للوجه، مع تلافي لمس أي شيء مباشرة، حتى هواتفهم النقالة يستخدمونها في أغلفة بلاستيكية!! سافرت على متن الخطوط الصينية، ولفتني التعقيم الذي يشمل الطائرة والحقائب، إضافة إلى ذلك تقدم الوجبات بأكياس، مع التحفظ الشديد على تقديمها بصوانٍ ليتم التخلص منها فور الانتهاء من الرحلة. لا أنكر أنني في البداية أبديت بعض الانزعاج من التعقيدات التي حدثت بالإجراءات، ولكن بمجرد أن رأيت حرص الصينيين حكومة وشعباً لمحاصرة الوباء ودقتهم بتطبيق الإجراءات للحفاظ على سلامة الجميع وعدم السماح لأي شخص بدخول الصين ما لم يحمل الكود الصحي الأخضر المعتمد لدى الحكومة الصينية، وإجراء الفحوصات في بلده قبل السفر لدى مراكز معتمدة تحددها السفارة الصينية للتأكد من دقة الفحص وعدم التلاعب بالنتيجة، لتمنحك بعدها الكود الصحي الذي يخولك للدخول إلى الصين، والذي تطلبه منك نقطة الجوازات بمجرد دخولك المطار. ليثبت صحة المسافرين وعدم حملهم للفايروس من الخارج، أدركت وقتها أنني مقبلة على زيارة بلد استثنائي، وعرفت مبدئياً السر الذي يكمن وراء إغراق الصين للعالم العربي والعالمي ببضاعتهم، حيث يتميز هذا الشعب بخصلتين مهمتين تلمحهما من أول انطباع... الإخلاص والصبر! في فندق أنيق بمدينة تشنغدو أغلق عليَّ باب الحجرة لمدة تتراوح بين سبعة إلى عشرة أيام مع توفير كل وسائل العناية والراحة ومراقبة درجة الحرارة والفحص لأكثر من مرة في اليوم. أجلس في هذه الغرفة وحدي مقابل شباك كبير يطل على المدينة ويكشف معالم جمالها وحيويتها من النظرة الأولى، أراقب ما يحدث في الشارع يومياً عن كثب من الدور العشرين، وأنا أعد الأيام والساعات والدقائق ليفتح باب الحجرة وأنخرط في هذا العالم الكبير المثير للدهشة والإعجاب في آنٍ واحدٍ.
مشاركة :