الرياض ـ البلاد أعلنت هيئة التراث امس نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في الكشف عن المزيد من أسرار موقع الفاو الأثري -عاصمة مملكة كندة- الواقعة على أطراف الربع الخالي 100كم إلى الجنوب من وادي الدواسر على الطريق الحديث الرابط بين مدينتي وادي الدواسر ونجران. وكان فريق سعودي من الهيئة بالتعاون مع فريق من خبراء دوليين، قد أجرى مسحاً أثرياً باستخدام أحدث ما وصلت إليه تقنيات المسح الأثري، التي شملت: المسح بالتصوير الفوتوغرافي الجوي عالي الجودة، والمسح بواسطة الطائرات من دون طيار باستخدام نقاط تحكم أرضية، والمسح الطبوغرافي، والمسح باكتشاف الضوء وتحديد المدى -الاستشعار عن بعد لفحص سطح الأرض-، والرادار المخترق الأرضي، والمسح بالليزر، والمسح الجيوفيزيائي. إضافةً إلى أعمال المسح الأرضي المكثف بواسطة خبراء الآثار، ثم عمل مجسات أثرية اختبارية موزعة في الموقع. ونتج عن المسح العديد من المكتشفات الأثرية أهمها؛ الكشف عن منطقة لمزاولة شعائر العبادة لسكان الفاو في الواجهة الصخرية لأطراف جبال طويق المعروفة باسم “خشم قرية” إلى الشرق من موقع الفاو الأثري، حيث عُثر على بقايا معبد بُني من الحجارة، وعُثر فيه على بقايا مائدة لتقديم القرابين، كما عُثر على العديد من النقوش التعبدية المنتشرة في المكان، ويضيف هذا الاكتشاف المزيد من المعلومات عن التنظيمات الدينية لمدينة الفاو الأثرية. واكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8000 سنة، وتوثيق وتصنيف أكثر من 2807 مقابر منتشرة في الموقع، صنفت إلى ست مجموعات تمثّل فترات زمنية مختلفة، ومن أهم النتائج الكشف عن نقش تعبدي مقدم للإله كهل في معبد جبل لحق من قِبل شخص اسمه: وهـ ب ل ت (وهب الات) من عائلة م ل ح ت (ملحة) الجرهائيين (أي من مدينة الجرهاء)، وتكمن أهمية النقش في أنه أيضاً ذكر اسم شخص وعائلة من مدينة الجرهاء، وأنه مقدم للإله كهل إله مدينة الفاو في معبد جبل لحق، المكان الذي عثر فيه على النقش (في جبل طويق) أي أنه أيضاً يشير للاسم القديم للمكان الذي بُنى به المعبد. ويشير هذا النقش للعلاقة بين مدينة الفاو ومدينة الجرهاء، التي من المتوقع أن تكون تجارية بحكم موقع مدينة الفاو على طرق التجارة القديمة، كما يدل أيضاً على وجود تسامح ديني بين سكان المدينتين، أو أن بعض سكان مدينة الجرهاء كانوا أيضاً يعبدون الإله كهل إله قرية الفاو. وعرفت مدينة الجرهاء بالكتابات القديمة بثرائها وقوتها الاقتصادية، وهي مدينة لا يعلم بشكل قاطع موقعها حتى الآن إلا أن العديد من العلماء يرجحون موقع ثاج الأثري موقعاً لها. يذكر أن الأعمال الميدانية في موقع الفاو كانت قد بدأت بجهود جامعة الملك سعود في سبعينات القرن الماضي بقيادة عالم الآثار السعودي الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، حيث استمرت لأكثر من أربعين عاماً، كشف خلالها عن العديد من الجوانب الثقافية للموقع أبرزها؛ المنطقة السكنية، منطقة السوق، المعابد، والمقابر، ونشرت النتائج في سبع مجلدات تحتوي على نتائج هذه الأعمال الأثرية. وتأتي هذه النتائج ضمن الجهود المستمرة لهيئة التراث في الكشف عن مواقع التراث الثقافي في المملكة وحمايتها، ونشرها للتعريف بها داخلياً وخارجياً؛ لتعكس الغنى التراثي والتاريخي للمملكة التي تثبت أنها كانت موطناً للعديد من الحضارات الإنسانية المتعاقبة على مر التاريخ.
مشاركة :