شدَّ انتباهي النجاح الباهر الذي حققه الجزء الثاني من فيلم (Top Gun)، بعد مرور 36 عاماً على جزئه الأول، وسلَّط الضوء على أهمية سلاح الجو في حروب المستقبل. قلّة من الناس ربما تعلم أن توني سكوت، مخرج الجزء الأول من الفيلم، طلب أن يتمحور الجزء الثاني منه حول الطائرات المسيَّرة (من دون طيار)، ولولا وفاته عام 2012 لربما رأينا الممثل توم كروز يتحكَّم في طائرة عن بُعد من نيفادا في الولايات المتحدة الأميركية بدلًا من قيادته الطائرة إف/أيه-18. وتتسم الطائرات المسيَّرة بخصائص عدَّة جعلتها مكوناً أساسيّاً لأي جيش نظامي، بل حتى للجماعات المسلحة والإرهابية، منها قدرتها على التحليق مدة طويلة، وتنفيذها ضربات دقيقة ومدمرة بتكاليف منخفضة نسبيّاً، إضافة إلى صعوبة رصدها. وقد أثبتت الطائرات المسيَّرة كفاءتها ميدانيّاً في ساحات قتال مختلفة مثل ليبيا، وسوريا، وإقليم ناغورنو-كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، وأخيراً أوكرانيا. واللافت للنظر أن هذه الطائرات التي كانت تُمثّل رأس حربة في مواجهة الإرهاب في عهد باراك أوباما، الرئيس الأميركي السابق، أصبحت من الأسلحة المفضلة للجماعات الإرهابية المختلفة، إذ صار من السهل على الأفراد والجماعات المختلفة اقتناؤها، وحتى تصنيع بعض نماذجها، ولا سيَّما الانتحارية منها أو «الكاميكازي». فما سر هذه الطائرات التي تؤرق دول العالم؟ ولماذا يصعب رصدها؟ لو أحصينا الأساليب المتبعة في رصد الأجسام الطائرة، لوجدنا أنها تتراوح بين أكثرها بدائيةً مثل استخدام العين المجردة، وأكثرها تقدُّماً مثل استخدام الموجات الكهرومغناطيسية والذكاء الاصطناعي. وتعتمد الطريقة الأكثر شيوعاً حاليّاً على تكنولوجيا الرادارات، وذلك بأن يطلق رادار موجات كهرومغناطيسية ذات تردُّد معين إلى الغلاف الجوي، وعند ارتطامها بجسم طائر ينعكس جزء منها، فيلتقطه الرادار نفسه، ثم تُحلل الموجات المنعكسة لمعرفة بعض خصائص ذلك الجسم الطائر، مثل نوعه، وسرعته، وموقعه الجغرافي. ويُستخدَم معيار «آر. سي. إس» (R.C.S) -عادةً- لقياس قدرة الأجسام الطائرة على التخفي من الرادارات، ولذلك نجده متدنياً على نحو ملحوظ في الطائرات المسيَّرة -مقارنةً بالطائرات المدنية والعسكرية- للحيلولة دون رصد الرادارات لها. ومن العوامل المؤدية إلى ذلك هيكل الطائرة المصنوع من مواد غير عاكسة لموجات الرادار، مثل «ألياف الكربون» (Carbon Fiber). وحتى لو افترضنا جدلاً إمكانيَّة رصد الطائرات المسيَّرة باستخدام رادارات متطورة، يبقى تحديان آخران، أولهما القدرة على التمييز بين الطائرة وأجسام أخرى كالطيور التي تملك «آر. سي. إس»، ولبعضها أحجام مشابهة أيضاً. والثاني إيجاد طرق أكثر كفاءةً لإسقاطها بتكلفة منخفضة نسبيّاً. ولمواجهة هذه التحديات يُتوقَّع أن تزيد مختلف دول العالم استثماراتها في الأنظمة المضادة للطائرات المسيَّرة، فوفقاً لموقع «بلومبيرغ» من المرجَّح أن يصل حجم سوق الأنظمة المضادة لهذه الطائرات إلى 3.5 مليار دولار عالميّاً بحلول عام 2030. وتوجَد أيضاً دعوات في الدول الغربية إلى إعادة الاستثمار في أسلحة الدفاع الجوي القصيرة المدى بعد أن باتت أنظمة الدفاع الجوي ذات المديَيْن المتوسط والطويل، مثل «ثاد» و«باتريوت»، هي السائدة. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أُعلن، في عام 2021، تطوير شركة «إيدج» للصناعات الدفاعية -بالتعاون مع الشركاء الدوليين- أنظمة مضادة للطائرات المسيَّرة تعمل بشكل آلي وشبه مؤتمت. وقد حرصت الدولة أيضاً على اقتناء أسلحة متقدمة لإسقاط الطائرات المسيَّرة. فهل تُعيد الطائرات المسيَّرة (الدرونز) كتابة قواعد الحرب؟ *أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية - جامعة خليفة.
مشاركة :