يغني لاجئون سوريون فروا من الحرب الأهلية في بلدهم إلى الأردن المجاور بفرح على قرع الطبول ويؤدون رقصات “العراضة” الشامية التقليدية التي زادت شعبيتها في المملكة مؤخرا للحفاظ على تراثهم وكسب مصدر دخل إضافي. وازدادت شعبية فرق العراضة الشامية في المناسبات الأردنية، من حفلات الزفاف إلى المهرجانات مرورا بفعاليات افتتاح المحال التجارية الجديدة وأحداث أخرى، كحفلات التخرج واستقبال الحجاج. ويؤدي أعضاء فرقة “باب الحارة” عرضهم مرتدين زيهم الشامي القديم المكون خصوصا من شروال أسود وصدرية لمّاعة مقصّبة وشال ملفوف حول الوسط. ويقول الأردني فهد شحادة (55 عاما) الذي استقدم فرقة “باب الحارة” لإحياء حفلة أعدها في منزله وسط العاصمة عمّان بمناسبة تخرج اثنين من أبنائه من الجامعة “إنهم يضفون أجواء من الفرح على احتفالنا”. أغلب أعضاء الفرقة يعملون عملا آخر، منهم طلاب جامعات ومحاسبون وعمال مطاعم وخياطون وكهربائيون ويضيف “أنا أردني لكني من أصول سورية وأحببت أن آتي بهذه الفرقة، فأنا معجب بمهاراتهم في الرقص وموسيقاهم وملابسهم وأغانيهم”. وتقليديا، عُرفت “العراضة” التي اشتُق تعريفها من الكلمة العربية “عرض” بتقديم أغنيات معدلة لتتناسب مع مناسبات مختلفة. وتتكون فرقة العراضة من قائد يسمى الوصيف، إضافة إلى ما بين عشرة وعشرين رجلا آخر يجيدون اللعب والمبارزة بالسيف والترس، والرقص وقرع الطبول. ويمزج أعضاء الفرقة بمهارة بين الرقص وحركات السيف والدرع والغناء. وتأتي ذروة الأداء في النهاية حين يدوّر اثنان من أعضاء الفرقة السيوف في الهواء قبل الانخراط في لعب السيف الاحتفالي. ويشير معتز بولاد (60 عاما) قائد فرقة “باب الحارة” الذي تعلم هذا الفن في دمشق عندما كان في العشرين من عمره وعلّمه لاحقا لأولاده الثلاثة، إلى أن العراضة اشتُهرت في مناسبات عمّان وتؤديها الفرقة تقريبا بشكل يومي في الصيف، وأسبوعيا في الشتاء. ويؤكد بولاد الذي غادر دمشق عام 1988 وأسس فرقته في الأردن أن “العراضة” تشكل مصدر دخل إضافي لسوريين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاما فروا بعد عام 2011 من أتون الحرب في سوريا. ويوضح أن بينهم “من لم يكن يجيد الرقص وجاء إلينا وتعلم هنا على يدي وأبنائي لكي يحسن وضعه المادي”. Thumbnail وتشير التقديرات إلى أن الحرب في سوريا تسببت في مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص. كما فرّ أكثر من 6.6 مليون سوري إلى دول الجوار، خصوصا تركيا ولبنان والأردن. ويستضيف الأردن نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجّلين لدى الأمم المتحدة، بينما تقدر عمّان عدد الذين لجأوا إلى المملكة منذ اندلاع النزاع في سوريا بنحو 1.3 مليون شخص. ويقول بولاد إن “أغلب هؤلاء (أعضاء الفرقة) يعملون عملا آخر، منهم طلاب جامعات ومحاسبون وعمال مطاعم وخياطون وكهربائيون. وهذا العمل الإضافي يدر عليهم مبلغا متواضعا من المال يساعدهم في حياتهم اليومية”. وبالنسبة إلى الراقصين ومبارزي السيف والترس، يقول أحمد أبوشادي (43 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال فر من سوريا إلى الأردن عام 2013 ويعمل سباكا، إن هذا الفن يساعده في تخفيف أعباء الحياة. ويضيف “مع السباكة هناك أيام عمل وأيام بدون عمل ولا زبائن”، مؤكدا “يدفعون لي 15 ديناراً (20 دولارا) في كل مرة أخرج فيها مع الفرقة. رغم أنه مبلغ قليل إلا أنه يساعد في حياتي”. ويقول بولاد إن “العراضة الشامية تراث شعبي قديم وفلكلور سوري أصيل يعود تاريخه إلى مئات السنين، اشتهرت به أحياء دمشق القديمة وتناقلته الأجيال جيلا بعد جيل”. من جانبه، يقول عازف في الفرقة فضل عدم الكشف عن اسمه وفر من حمص في سوريا عام 2018، إنه يعمل في أحد المختبرات الطبية إلا أن دخله الشهري لا يكفيه هو وزوجته، مشيرا إلى أن عمله في المختبر يدر عليه ما بين 200 و250 دينارا أردنيا (300 إلى 350 دولارا). ويضيف أنه قدم طلب لجوء لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على أمل أن يبدأ حياة جديدة في الخارج.
مشاركة :