'كوتشينة' نشأت المصري تكاشف المجتمع وتحكم أوراقها على اللاعبين فيه

  • 7/28/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تدور أحداث رواية "الكوتشينة" للروائي نشأت المصري حول أسرتين كل منهما تفتقد اسس التوافق داخلها وبين أفرادها سواء التوافق المادي أو النفسي أو الثقافي. تعصف بهم جميعهم  الأهواء والرغبة في إعادة تشكيل العلاقات، فحدثت حالات الطلاق لتبدأ علاقات جديدة لم تحقق الاكتمال أيضا كما أن بطلة الرواية المثقفة تركت زوجها الجاهل الذي أصبح ثريا وعادت الى القرية لتتزوج بناء على مشاعر قديمة. وتمتلئ الرواية بشخصيات ثانوية وأحداث تصب في البحث عن الأسس الإنسانية والجمالية التي يجب أن تسود المجتمع، وأفرد المؤلف فصلا كبيرا في النهاية عن اثر جائحة الكورونا في العلاقات الانسانية في شكا ميتافيزيقي شائق. وربما كانت أول رواية عربية تتعرض لجائحة الكورونا بشكل ساخر. وقد شهد مقر رابطة الأدب الإسلامي العالمية ليلة أدبية متميزة نوقشت فيها الرواية، حيث قدم النقاد د.صابر عبد الدايم يونس، د.علي مطاوع، د.وائل علي السيد، د.مصطفى عطية. والقاص محمد هلال، د.ثناء قاسم، د.ياقوت الديب، القاصة وفاء حفيظ. الشاعر ياسر عبد الرحمن، الشاعرة نوال مهنى، عددا من الرؤى المهمة التي أضاءت تجليات الرواية الفنية والأسلوبية والقضايا الإنسانية التي اشتغلت عليها. وقد قدمها وأدارها الاعلاميد.محمود خليل. المداخلة الأولى في الندوة كانت للناقد د.صابر عبد الدايم وكانت حول إبداع نشأت المصري الروائي وروايته الكوتشينة نموذجا، حيث قام بتحليل طويل لعتبة النص ودلالات العنوان: كوتشينة.. وسيمياء العنوان وربطه بفلسفة الحياة، ووصفه بأنه عنوان غريب مثير للتساؤل، وتوقف الناقد عند عناوين الفصول حيث وضع الروائي عناوين الفصول في قالب سردي لغوي موحد الصيغة وهي صيغة الاستدراك، وهي صيغة دالة على المسكوت في النص، من خلال المنطوق، وصيغ الاستدراك التي تبدأ دائما بـ "لكن" تكاد تكون الشفرة الرئيسة في تماسك هذه الرواية، ومن خلالها يبث الكاتب رؤيته السردية والفلسفية والسياسية والاجتماعية والصوفية، وتكاد تنفرد هذه الرواية بهذا الصنيع السردي، فالرواية كلها منسوجة من النقائض والمصادمات، والكاتب لديه مهارة فنية واقعية في تصوير مظاهر البؤس، وهو ليس بؤسا رومانسيا ولكنه صورة الواقع المطحون الذي يثور عليه أصحابه. ويقف د.صابر عند دلالة المكان في السرد والتحامه بالزمان. ويذكرنا بأن ميخائيل باختين هو الذي استعار هذا المصطلح، الزمكان. من مجال العلوم الطبيعية، وأدخله ليبين مدى العلاقة بين الزمان والمكان في مجال الأدب. تقول كتشينة في الفصل التاسع:على لسان سماح: عرفت لماذا أعمارناأقل بكثير مما هو مسجل في الأوراق الرسمية. وبشكل عام يوضح الناقد أن الكاتب يتطلع إلى سيادة مبادئ العدالة ونشر قوانين الحرية والسلام والقيم الانسانية والإسلامية المتوازنة المبشرة بالخير والنور للبشرية كلها. وأخيرا يصل بناإلى أن المسكوت عنه في رواية  نشأت المصرى  يحتل مساحة أكبر من المنطوق لكنه واضح للقارئ. وأوضحت الناقدة د.ثناء قاسم أستاذة الأدب والنقد بكلية دار العلوم بالفيومسمة عامة في أدب نشأت المصري وهي القدرة على عرض  مشاعر أبطاله في شتى المواقف  بشكل راق لا يخدش حياء القارئفي المراحل العمرية المختلفة.وأكدت على أن هذه الأعمال الأدبية المتميزة تعرض بذكاء للعديد من مشكلاتنا الاجتماعية وذلك في سرد شائق وممتع. أما مداخلة الناقد د.مصطفى عطية أستاذ الادب والنقد فأكد فيها أن رواية الكوتشية دالة على الثقافة العميقة لمؤلفها، حيث ناقشت إشكالات الزواج التقليدي غير المتكافئ، بين "سماح" الفتاة الرومانسية المثقفة، و"خليل" الزوج المادي قليل العلم، وما اكتنف هذا الزواج من برود ونفور، وفي المقابل عرضت لأسرة تأسست على تكافؤ اجتماعي وثقافي، ولكن الزوجة "شيماء" كانت ذات تطلعات مادية، فيما اكتفى زوجها "صفوت" بحياته، وعشقه للثقافة والفنون، وقد عانت هذه الأسرة من فقدان ابنهم الصغير في حادثة تسبب فيها الأب، وإن كان الله قد حفظ ابنتيهما التوأم. إنها إشكالية كبرى، عندما يتحول الزواج إلى روتين، وتصبح الحياة مملة، ولا يرضى الإنسان بما قسمه الله له من رزق. ربما يكون طرح الرواية تقليديا نوعا ما، ولكن استطاع المؤلف تقديم سردا مشوقا، من خلال بنية سردية، اعتمدت تعددية الأصوات في الحكي، باستخدام ضمائر المتكلم والغائب، فأجاد المؤلف وصف الأحداث من خلال مشاهد كان فيها ساردا عليما، وترك في فصول أخرى شخصيات الرواية تتحدث عن نفسها، وتكمل أحداث الرواية من وجهة نظرها. عنوان الرواية مدهش، ويعبر عن تنوع شخصياتها وتقلباتهم وصراعاتهم، فالحياة مثل لعبة الكوتشينة بأوراقها المتعددة، وتحكم اللاعبين بها. ويلفت الناقد محمد هلال إلى أنه ما بين عبثية الفصل الأخير وواقعية الأول وما بينهما من سطوة الأمس وتباشير القيامة.. استطاع الروائي نشأت المصري في رحلة روائية استغرقت  180 صفحة من القطع المتوسط، أن يقلب موازين اللعبة الكونية، أن يعيد ترتيب أوراقها عدة مرات مختلفة، ليقدم رؤية تفكيكة للعالم في خطوط غير متوازية بل بطريقة يطلق عليها اسم " الزجزاج" أي المشي المتعرج أشبه بأرقام السبعة والثمانية المتلاحمة.. وذلك في روايته " كوتشينة".. متدثرًا برؤية جديدة مختلفة وكأنه، أو هو بالفعل ميلاد إبداعي جديد مختلف عما قدمه من ألوان الابداع رغم كثرتها التي جاوزت أكثر من مائة كتاب متنوع مابين القصة والمسرحية والرواية والشعر وأدب الأطفال والتراجم. إلا أن القلق الإبداعي الحقيقي لايتوقف عن التجريب. ويضيف هلال "تلك الرؤية المختلفة ليست بهدف العبثية والفوضية الفكرية المُرتبة أو المبعثرة وإنما بقصد إعادة البناء الإبداعي بتكنيك مميز، بشكل يليق بأديب كبير صاحب نظرة متميزة أولًا، وكذا يليق بفكر جديد لعالم متجدد يموج بالعديد من المذاهب والنظريات والتجارب الجديدة المتنوعة والمتباينة. تبدو تلك النظرة الفلسفية منذ الوهلة الأولي وهو مايوحيه اسم الرواية "كوتشينة"؛ تلك اللعبة العالمية المعروفة لدى كل الشعوب "لعبة الورق"، التي تختلف في طريقة ممارستها، إلا أنها  تتوحد في حالة واحدة، وهي إعادة ترتيب الأوراق دون نظام محدد، وإنما خلطها بشكل عشوائي بقصد إعادة " تفنيطها"،  لتختلف عن تنسيقها السابق، لتبدو في هيئة ترتيب جديد رغم أن أوراق اللعبة لم تتغير وإنما أرقامها. وبالمناسبة كلمة تفنيط مأخوذة بتصرف ضئيل من كلمة "تفقيط" التي تعني في المعاجم اللغوية كتابة الأعداد أو الارقام  كتابة لفظية؛ خشية التلاعب بها، وذلك في كتابة الصكوك والمستندات والعقود الرسمية. ويتتبع الشاعر الناقد د.ياسر عبد الرحمن تساؤلات الرواية قائلا أن السؤال الأول الذي تطرحه هو: ماذا يريد الإنسان من الحياة ؟ والإجابة موحدة في جميع الآراء، إنها السعادة، ولكن تختلف الآراء في التفاصيل فالبعض يرى السعادة في جمع المال والبعض يراها في الحب اوالنجاح في تحصيل العلم وعمل الأبحاث والحصول على الدكتوراه أو النجاح السياسى والإجتماعي والبعض سعادته في أمور بسيطة والبعض يجدها في أمور معقدة وأحلام مستحيلة. والإجابة تركها المؤلف مفتوحة ليصل القارئ إليها بنفسه.. لكنه أجاب عن سؤال مهم عبر مسار الرواية وهو: متى تقتحم الخيانة الحياه الزوجية ؟ فما بدا من أحداث يؤكد ان افتقاد الحب بين الزوجين يفتح الأبواب على مصراعيهافي انتظار لحظة خيانة قادمة.. وقد تكون الخيانة مادية او معنوية بالجسد او بالعقل والروح..أما القلب المسكون بالحب لا يمكن للخيانة ان تسكنه..فنجد سماح التي تفتقد للحب الحقيقي وتعتبر زواجها من خليل هو اختيار الفقر لها وليس اختيارها، فكان الشاب الأسمر الذي أنقذها من الغرق هو أول نوافذ الخيانة وإرهاصاتها حين تحدثت عن طعم "قبلة الحياة" التي عطرت أنفاسها منه كما صرّحت أن لسانها تحرك في فم الفتى الأسمر للحظة لكنه لم يدرك مغزاها فقد كان مشغولا بمحاولة إفاقتها بعد ان أنقذها من الغرق، أعجبها الشعور بدقات قلبه وملمس جلده الناعم وقد ذهبت بعدها لتبحث عنه في محاولة إقناع نفسها أنها فقط سوف تشكره على إنقاذها ولكن يفضحها حوارها الذاتي "أنت تبحثين عن ثمرة شابة شهية تسد بها جوعك" فهي اعترفت لنفسها انها اشتهت الفتى المنقذ بالفعل والذي أوقفها أنه لم يصلها أي اشارة منه لتشجعها على الإستمرار. وبالرغم من أن العلاقة بين خليل وسماح لم تكن جيدة إلا انها كانت محورالتجربة الإنسانية في الرواية والتي اتجه بها الكاتب في لعبة تشبه الكوتشينة إلى إعادة ترتيب المصائر والمشاعر والعلاقات الإنسانية في شكل متعاقب ليجد كل شخص نفسه أمام مصير مختلف وشخصية جديدة وحياة اجتماعية وبيئية مختلفة كأنها فرص  أخرى للأبطال تعطيها لهم الحياة  لعل احدهم يجد سعادتة المنشودة وهي الحلم الذي يسعى إليه جميع أبطال الرواية. ويشير إلى أن الكاتب طرح داخل النص العديد من القضايا الإجتماعية والحياتية: أولا فكرة الزواج المبكر للفتيات والذي تنقصة خبرة الحياة وحسن الإختيار ويصطدم هؤلاء بنمطية الحياة واعتيادها وعدم فهم قيمة الحب مما يؤدي غالبا الى الفشل وقد تزوجت سماح بعد نجاحها بالثانوية العامة في 2/2/1982 فعاشت مع خليل في حالة معاناة وانفصال نفسي. ثانيا فكرة التداخل بين المعارف والأقارب والأصدقاء وإلى أي مستوى يجب أن يصل هذا التداخل حتى لا يمثل خطورة على جدار التماسك الأسري فيعاد ترتيب الأوراق بأقدار جديدة تنتقل بها الشخصيات إلى علاقات جديدة.ثالثا الحسد كطبيعة بشرية وتيمة اجتماعية وحقيقة دينية وواقعية وقد حدث حين احترق أحد المصابيح بصوت مدو في عيد ميلاد مهند فعلقت ام خليل بصوت خفيض "قل أعوذ برب الفلق" فهي أدركت بوجود عين حاسدة في المكان بسبب البذخ الواضح في الحفل ووجود فجوة مجتمعية بين بعض المدعوين واسرة خليل. رابعا قضية الكيان المثقف سواء رجل او امرأة ومدى معاناة كل منهما في التوافق مع الحياة والتعايش مع الأشخاص العاديين ومدى حساسيتهم حين يتعاملون مع مجتمع لا يفهمهم وردود أفعالهم غير العادية ومشاعرهم الأكثررقة والأقل قدرة على تحمل الصدمات فهذه الكيانات المثقفة غالبا لا يجدون من يلمس قلوبهم ويخرج من أعماقهم طاقة الحب والبهجة ويحتويهم ولعلها أزمة الكثير من المثقفين.خامسا كورونا التي كان لها شديد الأثر في حياة جميع الأبطال فمنهم من شعر بالخوف وقرر تأجيل أعماله مثل مهند ومنهم من غيرت مسار حياته بالقضاء عليها مثل كارلوس الذي كان قدره الموت وقدرزوجته رولا الحزن ومواجهه شبح الوحدة والألم الذي سبق وجربته مع فارق وجود ابنتها الذي كانت متغيرا إيجابيا يدفعها إلى الإستمرار في الحياة.كما أعطت الكرونا كمتغير اجتماعي للبعض فرصا جديدة فكانت السبب في شجاعة صفوت الذيطلب الزواج من ناريمان ام ابنته بالروح سحر بعد أن شعر أن حبيبته سماح لن تقبل بزوج مريض لكنها قبلت به كحبيب شاركها مشاعر جميلة وموسيقى حالمة. وتشير  القاصة الناقدة وفاءعبدالحفيظ حسن إلى أن الكاتب يلقي بظلاله  في روايته " كوتشينة" المكونة من ستة وعشرين فصلًاحول الصرعات  التي تدور بين طيات الذات الواحدة داخل النفس البشرية حيث تتعارض المصالح، تهتف النفس بما جعلته في مقدورها  حول الحياة ثم تعقد صلحًا، وتلغي ما قد غفلت عنه وبذلك تتصارع الأضداد  معًا في النفس وتتأجج هذه المشاعر أثناء سير الحياة  وربما تقع صريعة لها. وتؤكد أن لغة السرد جاءت بسيطة سلسة لكنها مجدولة بطريقة رائعة حيث جعل الأعمال الأدبية من الروايات والثقافة تلعب دورًا عظيمًا على ألسنة الشخوص مما يعكس ثقافته الواسعة وتبحره، جعلها تجري مجرى الرمز حول الذات بإشارة إلى إحدى الروايات فتكون جوهرية تفيض بما لم يقل. وتحدث الناقد الفنيد.ياقوت الديب موضحا الامكانات الدرامية البارعة في الرواية والتي تجعلها عملا سينمائيا او تليفزيونيا ممتازا فنيا واخلاقيا لان الرواية استفادت من تكنيك السيناريو في السردوتوقف عند العديد من فصول الرواية وشرح المدى الدرامي واستخدام الصورة الكلامية في الكتابة.

مشاركة :