الجزائر تفرج عن وزيرة من عهد بوتفليقة: محاربة الفساد بالعفو عن المتهمين

  • 7/29/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ألمح الإفراج المشروط الذي استفادت منه وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي إلى إمكانية حصول تسوية بين السلطة القادمة في الجزائر وبين رموز مرحلة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة المسجونين بتهم الفساد، ومن بينهم وزراء ورؤساء حكومات وجنرالات ورجال أعمال، في وقت يقول فيه مراقبون إن السلطة تحارب الفساد بالعفو عن المتهمين، وهو ما يشكك في مصداقية السلطة في محاربة الفساد التي كانت أهم مطالب الحراك الذي قاد إلى سقوط بوتفليقة. وأطلق سراح وزيرة الثقافة السابقة قبل انتهاء الحكم القضائي الصادر في حقها، وهي خطوة قد تشكل منعطفا جديدا في إدارة التوازنات داخل السلطة، حيث لا يستبعد أن يكون القرار ممهدا لخطوات أخرى تطال رموز مرحلة بوتفليقة الذين يقبعون في السجن منذ سنوات بتهم الفساد. وقال مراقبون إن إطلاق سراح الوزيرة قبل انتهاء مدة الحكم يتناقض كليا مع الحملة السياسية والإعلامية التي رافقت اعتقال عدد من رموز المرحلة السابقة، والتي أوحت بأن السلطة ستفتح ملفات كثيرة وأن الأحكام ستكون قاسية، لكن بعد أن استقرت الأوضاع للرئيس عبدالمجيد تبون والمحيطين به لم تعد الحرب على الفساد مهمة، خاصة أنها حققت أهدافها وأفرغت الساحة من الخصوم المزعجين للسلطة الجديدة. الالتباس بين الفساد وتصفية الحسابات السياسية أضفى على المعركة ضد الفساد طابع الانتقائية وأشار المراقبون إلى أن السلطة، التي ضمنت استقرار الأوضاع لفائدتها، يمكن أن تخطو خطوات إضافية لإخراج الشخصيات التي لا تزعجها، وأن ذلك سيتم تدريجيا، وقد يطال أسماء بارزة إذا قبلت بالشروط المعروضة عليها. وكان قضاء العاصمة الجزائرية قد حكم مؤخرا بسجن الوزيرة السابقة مدة أربع سنوات تنتهي في الصيف القادم بعد خضوعها لسجن مؤقت امتد من عام 2019 إلى غاية النظر في قضيتها منذ أسابيع فقط. وتقلدت خليدة تومي حقيبة الثقافة على مدى عدة سنوات، وكانت صاحبة القرار الأول في القطاع الذي نظم أثناء عهدتها العديد من التظاهرات الثقافية الاستعراضية التي أُنفقَت على إنجازها أموال طائلة، على غرار “الجزائر عاصمة الثقافة العربية” و”الجزائر عاصمة الثقافة الإسلامية” و”المهرجان الثقافي الأفريقي بالجزائر”، وغيرها. وكان القائد الراحل للجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح قد استغل فرصة إمساكه بالسلطة بعد اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي عام 2019، وأوعز بسجن العشرات من الوزراء ورؤساء الحكومات والجنرالات ورجال الأعمال بتهم الفساد، وهم من النخبة التي كانت تحيط ببوتفليقة. ولم يصدر أي تعليق أو توضيح من طرف القضاء الجزائري حول قرار الإفراج المشروط الذي استفادت منه الوزيرة المذكورة، أو بشأن معايير ومسوغات اتخاذ هذا القرار، كونه رفض طلبات مماثلة تقدم بها عدد من المساجين لأسباب مختلفة. ونفت خليدة تومي خلال محاكمتها تهم الفساد المنسوبة إليها، واعتبرت نفسها ضحية لتجاذبات وتوازنات سياسية، وشددت على أنها كانت موظفة لدى الدولة الجزائرية، وقد تصرفت في المال العام وفق النصوص والتشريعات الناظمة. الإفراج عن خليدة تومي خطوة قد تشكل منعطفا جديدا في إدارة التوازنات داخل السلطة ولم يستبعد متابعون لشؤون السلطة في الجزائر أن يكون القرار خطوة تمهيدية لقرارات مماثلة تندرج في إطار التسوية الحاصلة بين السلطة القائمة في البلاد وبين رموز المرحلة السياسية السابقة، وأن ذلك قد يكون في سياق صفقة تتخذ من مشروع “لمّ الشمل” غطاء سياسيا لها، بما أن العملية تشمل أيضا وجوها من المعارضة ومن الكوادر الإسلامية التي تنتمي إلى جبهة الإنقاذ المنحلة. ويرى المتابعون أن نيّة السلطة القائمة في تسوية الخلاف بينها وبين رموز المرحلة السابقة ليست وليدة اليوم، وإنما المناخ السياسي والاجتماعي هو الذي أجل العملية، باعتبار أن العقيدة التي تسوّق لها تقوم على القطع بين المرحلتين وعلى مواصلة الحرب على الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة. ولدى القضاء الجزائري سوابق مماثلة في مجال مراجعة أحكامه، فقد سبق له أن أطلق سراح مدير جهاز الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق) وأفرغ الحكم الغيابي على وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار، إلى جانب رئيسة حزب العمال لويزة حنون، رغم صدور أحكام في حقهم تراوحت بين 15 و20 عاما، بتهم التخطيط للانقلاب على الجيش وعلى قيادته، بينما لا يزال رجل الظل في السلطة السابقة شقيق بوتفليقة سعيد في السجن متابعا في قضايا أخرى، بعدما بُرّئ هو الآخر في الملف. وظلت خليدة تومي تمثل تحالفا بين السلطة السياسية في البلاد وبين التيار الديمقراطي العلماني، فهي تنحدر من حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية البربري، قبل أن تقطع سيرتها النضالية وتلتحق بالسلطة. ومنذ عام 2018 يوجد عشرات المسؤولين السامين في السجون بدعوى ضلوعهم في ملفات فساد ضخمة، ومنهم قادة أحزاب سياسية ورؤساء حكومات ووزراء وولاة (محافظون) ومديرون مركزيون وضباط سامون من الجيش ورجال أعمال، لكن الالتباس بين الفساد وتصفية الحسابات السياسية أضفى على العملية طابع الانتقائية وتوظيف القضاء في صراعات الأجنحة. وكانت خليدة تومي من ضمن الشخصيات النسوية التي أطلقت عام 2018 “مبادرة الـ14” التي طالبت حينها بمقابلة بوتفليقة للاطمئنان على صحته ومعرفة مدى قدرته على أداء مهامه الدستورية، في خطوة اعتبرت آنذاك تحديا لمحيطه الذي كان يتكتم على وضعه الصحي ويدير شؤون البلاد نيابةً عنه.

مشاركة :