«لا يوجد مصور في عنيزة» .. رواية ترصد التحولات

  • 12/26/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

(أن تدرس رواية ليس على غرار أن تقرأها من أجل المتعة، إنك تلاحظ أشياء كانت بخلاف ذلك ستفلت من انتباهك وستكتشفها بقوة) اذر نفيسي بين 1947-1939 تدور حكاية خالد البسام (لا يوجد مصور في عنيزة) التي تحكي لنا قصصا تبدأ من عنيزة إلى الزبير «العراق»، والمنامة «البحرين»، إلى كلكتا «الهند» وآخر المطاف عنيزة. ونحن نعيش مع أبطالها لحظات لا تنسى، نحول كل حكاية من حكايات أبطالها إلى مشهد مصور في خيالها، نضحك أحيانا، نبكي أحيانا أخرى، ونصفق كثيرا على براعة أبطالها. يوسف، مساعد، سارة، بيت الشبلاوي، قارئ وكاتب الرسائل عدنان، أم يوسف، أم مساعد التي تتقاطع مع أم الخوش «مدن الملح» في انتظار ولدها، مائدة، سعدون، أم علاوي، جعفر، العم سليمان، العم محمد المشفر. أبطال ليسوا من صنع الخيال بل كانوا يعيشون بيننا في عام ألفين وثمانية، أراد أن يستحضرهم الكاتب من ذلك الزمن الجميل؛ ليقول لنا نحن فقدنا البوصلة منذ أن أصبحت لنا قضايا كثيرة ونسينا قضيتنا الأولى «فلسطين»، فأصبحت اختلافاتنا في القبيلة، والمذهب، سببا لتباعدنا بل واقتتالنا. فمن عنيزة نبدأ، التي كانت تصدر الرجال الذين أصبحوا تجارا في الشام والعراق والبحرين والهند، وأصحاب فكر ورسالة وكانوا خير سفراء لبلدهم؛ بسبب تمسكهم بالأخلاق والكفاح والعزيمة للوصول إلى أهدافهم، وحب الخير لأهلهم القادمين من بلدهم والبلدان التي يعيشون فيها. يوسف ومساعد صديقان، منذ الطفولة، كان يوسف يحب سماع حكاية بعض المسافرين في بيت الشبلاوي ويعرف أخبار العالم العربي من الجرائد، أما مساعد الذي أحب سارة بنت الشبلاوي وكانت الصدمة بعد زواجها فأصبح كالمجنون يدور في طرقات عنيزة لولا أن أمه أخبرت أباه فطلب منها إرساله إلى العراق، وهناك سوف يبحث له عن عمل ويلحقه بالمدرسة. سافر مساعد إلى العراق بعد أن باعت أمه ما تملك من ذهب، وعند وصوله إلى الزبير عمل مع أحد التجار النجديين ودخل المدرسة بعد أشهر معدودة. ثم أرسل رسالة إلى صديقه يوسف يصف العراق وهو مبهورا بما شاهد من سيارات وشوارع مضاءة ونساء حاسرات الرأس يمشين في الأسواق، وكل ذلك لم يكن موجودا في عنيزة واحتاج منا بعض الوقت كي نتعود عليه. أيضا رأى المكتبات والمقاهي والمثقفين. يوسف دخل مدرسة «فك الخط» ودفع ما جمعه من نقود كي يتعلم، أصبح يقرأ الجرائد والمجلات في بيت الشبلاوي ولكن لم يزل متمسكا بالعمل في مزرعة العم محمد المشفر، ولكن بعد قدوم عبدالرحمن المثال من البحرين يبحث عن شباب يعملون في البحرين عند بعض تجار أهل نجد، عرض على يوسف الذهاب إلى البحرين وبعد أن استنصح أمه وأخته والعم محمد المشفر. في البحرين يعمل يوسف عند العم سليمان ويصبح مسؤولا عن العمال وهناك يفتتن بالسينما ويخصص جزءا من دخله لها. أما مساعد يتعرف على سعدون وينضم إلى حزب الأمة العربية للدفاع عن فلسطين. يتكرر مع مساعد ما حدث في عنيزة ويقع في حب مائدة بنت أم علاوي جارته، تعشقه مائدة لشخصيته القوية ومع مرور الأيام تصارحه بحبها. يعرض عليه سعدون أن يغير عمله ولكن سوف يحتاج إلى تعلم اللغة الإنجليزية، فيطرح عليه اسم عزرا اليهودي، فيفاجأ كونه يهوديا، فقال له سعدون يهودي عراقي فيرد عليه ولكن لا يوجد عندنا يهود، فيقبل مساعد ولكن كان كثير الجدل مع عزرا عن فلسطين وما يحدث من الصهاينة فيها، وعزرا يرد عليه بغضب أنا عراقي ولست صهيونيا. يوسف سيصبح أعمى ولن يكون قادرا على الحركة دون مساعدة جعفر الذي كان يقرأ له الرسائل التي تصل من مساعد فيقرر العودة إلى عنيزة. أما مساعد بعد إتقانه الإنجليزية يسافر هو وزوجته مائدة إلى الهند. عندما ننتهي من قراءة رواية (لا يوجد مصور في عنيزة) الصادرة من المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2008، نتوصل إلى عدة رسائل أراد أن يبعثها لنا الكاتب: أولا: تمسك الكاتب في وضع التاريخ ليقول لنا كيف كنا وأين أصبحنا كمجتمع. ثانيا: التاجر في ذلك الزمان كان مرتبطا بأهل بلده وكان يبحث عنهم ليساعدوه ويساعدهم. ثالثا: الحب كان نقيا والارتباط روحيا وهذا الأمر كان يجسده مساعد ومائدة وإصرار مساعد على الزواج منها. رابعا: كانت فلسطين هي البوصلة وهي المقياس. خامسا: اليهود وما عانوا من شعوبهم في الوطن العربي وعدم فهم أن اليهودية هي ديانة كالديانات الأخرى، ولائهم لأوطانهم وليس إلى إسرائيل التي لم تنشأ إلا مؤخرا. سادسا: جعفر الشيعي وكيف كان محل ثقة من يوسف وكانا صديقين، دليل أن الناس في بداية القرن التاسع عشر أكثر تسامحا مع بعضهم وقبولا للآخر. وختاما، آخر رسالة بعثها يوسف بعد عودته إلى عنيزة وتصويره لنفسه وإرسال الصورة إلى صديقه مساعد في الهند ليقول له الآن أصبح هناك مصور في عنيزة ولكن مع الأسف دون محل.

مشاركة :