بعد ثلاث سنوات على عودة شينزو آبي إلى السلطة بناء على وعد انتخابي بإعادة الاعتبار لصورة اليابان وقوتها الاقتصادية، يواجه رئيس الوزراء واقع بلاده المتباين مع حجم وعوده، فيما بدأ الوقت ينفد أمامه. وبعد ولاية سابقة عابرة وغير مقنعة على رأس اليابان في 2006 - 2007، عاد آبي (60 عاما) إلى السلطة في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2012 بكامل طاقته واندفاعه للعمل، وهذه المرة تسلح ببرنامج كان من المفترض أن يضخ حيوية جديدة في بلد أضعفته سنوات مديدة من الانهيار في الأسعار وتراجع بطيء في مكانته الدولية. وبحسب "الفرنسية"، فقد باتت اليابان في الظل أمام الصين التي انتزعت منها مرتبة القوة الاقتصادية الثانية في العالم، التي يتنامى نفوذها في آسيا، كما يترتب على اليابان النهوض من الكارثة التي حلت بها على ثلاثة مستويات في آذار (مارس) 2011 بعدما ضربها زلزال وتسونامي وكارثة نووية. وجاب السياسي القومي الحاضر على كل الجبهات، أرجاء العالم عارضا برنامجا اقتصاديا بات يعرف باسمه "آبي - نوميكس" وأعلن من الولايات المتحدة "عدت وعادت اليابان كذلك". وقد حصد آبي تعليقات ومواقف شديدة الحماس سواء في بلاده أو في الخارج، لبرنامجه الذي يمزج بين خطط دعم كثيفة وسياسة نقدية شديدة الليونة لبنك اليابان وإصلاحات هيكلية. وكانت المرحلة الأولى من تطبيق هذا النموذج الاقتصادي مشجعة حيث عاد النمو وارتفع الدولار بعد عام إلى ما فوق عتبة 120 ينا لأول مرة في أكثر من سبع سنوات، ومع تسجيلها أرباحا قياسية سارعت الشركات المصدرة إلى تأييد هذا النهج، كما أيدته بورصة طوكيو حيث تضاعفت قيمة مؤشر نيكاي في سنتين ونصف السنة لتتخطى عتبة 20 ألف نقطة. لكن مع إتمام شينزو آبي اليوم عامه الثالث في السلطة، وهي مدة استثنائية في اليابان التي تعاقب عليها سبعة رؤساء حكومات بين 2006 و2012، ما زالت المهمة التي تنتظره هائلة. وبعد تسجل انكماش عام 2014 في أعقاب زيادة في ضريبة القيمة المضافة شكلت صدمة للأسر اليابانية، لم يعد بوسع طوكيو إعلان نمو مزدهر هذه السنة. ولم يتغلب ثالث أكبر اقتصاد عالمي بصورة نهائية على انهيار الأسعار، كما أن التغييرات الجريئة التي وعد بها آبي لرفع العقبات الهيكلية في وجه الاقتصاد لا تزال في بداياتها. ورأى المختص الاقتصادي في معهد دايوا للأبحاث "ساتوشي أوساناي"، أن المرحلة الأولى من حكومة آبي أسفرت عن تقدم، لكن المرحلة الثانية لم تكن بالازدهار ذاته. غير أن رئيس الوزراء ما زال يتمتع بنسبة شعبية مريحة تجاوز 50 في المائة مع اقتراب انتخابات مجلس الشيوخ الصيف المقبل، وهي نسبة تبدو مدهشة، ولا سيما وأن مراوحة نهجه الاقتصادي تقترن بعدم شعبية بعض التدابير. ولأول مرة منذ عقود، نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع أكثر من مرة هذا العام احتجاجا على توسيع صلاحيات الجيش الياباني بما يخالف دستور البلاد السلمي. كما شهد عهده إعادة إطلاق أول مفاعلات نووية على الرغم من تشكيك أغلبية من اليابانيين في الطاقة النووية، بعد إغلاق جميع المنشآت تدريجيا بعد مأساة فوكوشيما. وقال روبير دوجاريك اختصاصي آسيا المعاصرة في جامعة تميل في طوكيو، إن شينزو آبي يستفيد من فكرة منتشرة لدى الناخبين بأنه لا بديل عنه، ولا يخشى آبي أي منافسة من جانب معارضة يسار الوسط المشرذمة، وهو لديه الأغلبية في مجلس النواب ومن المتوقع أن يحتفظ بتقدم كبير عند تجديد قسم من مقاعد مجلس الشيوخ عام 2016 بمساعدة حزب كوميتو الجديد الوسطي المتحالف معه. غير أن المراقبين يحذرون من أن الوقت بدأ ينفد أمام اليابان، وأشار هيديو كومانو من معهد "داي ايشي لايف" للأبحاث إلى أنه بعد تخطي انتخابات الصيف، سيكون أمام آبي فرصة هائلة لتطبيق إصلاحات أليمة، وعليه أن يغتنم الفرصة أو أنها ستضيع منه. ويعدد المحللون المعارك التي تنتظره وفي طليعتها التغلب على التباينات في سوق العمل، ولا سيما من خلال إصلاحات لمصلحة المرأة، وعكس التوجه إلى انخفاض الولادات، وامتصاص الدين الهائل الذي يقارب 250 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، وإنعاش استهلاك ضعيف في حين لا تترجم الشركات أرباحها زيادات في الأجور، على الرغم من نداءات الحكومة والبنك المركزي الملحة في هذا الاتجاه. إضافة إلى هذا يتعين على رئيس الوزراء الياباني مواجهة ارتفاع معدل البطالة الذي قفز إلى 3.3 في المائة، وتحقيق معدلات نمو مقبولة ومتوازنة لتنشيط سوق العمل خاصة أمام الشباب والشابات.
مشاركة :