"أريد أن أطعم أولادي" عبارة يرددها خليل منصور أثناء انتظاره أمام فرن لشراء ربطة واحدة من الخبز فقط، في بلد تتكرر فيه جراء الانهيار الاقتصادي، طوابير الانتظار الطويلة للحصول على مواد أساسية. من أمام فرن في بيروت، يقول منصور (48 عاماً) لوكالة فرانس برس بنبرة حادة "أنتظر خمس ساعات إذا احتاج الأمر، أريد أن أطعم أولادي". انتظر منصور الجمعة أكثر من ثلاث ساعات للحصول على الخبز، وفي اليوم السابق وقف في الطابور لأكثر من ساعتين. ويقول "ماذا أفعل غير ذلك، بقيت ثلاثة أيام من دون خبز الأسبوع الماضي". ومنذ أسبوعين، يتهافت اللبنانيون يومياً على الأفران حيث ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على أكياس الخبز العربي المدعوم من الحكومة. ولا تخلو ساعات الانتظار من إشكالات تتطلب أحياناً تدخلاً أمنياً، فيما تقنن الأفران الكميات التي توزعها مكتفية بربطة أو اثنتين للشخص. ويبلغ سعر ربطة الخبز المدعوم، والتي تحتوي على ستة أرغفة، 13 ألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار، فيما دخلت السوق السوداء إلى المشهد وبات سعر الربطة فيها يتخطى أحياناً 30 ألفاً. يعمل منصور في محل حلويات، ولا يتجاوز معاشه اليوم مليون ونصف ليرة لبنانية أي حوالى 50 دولاراً فقط بحسب سعر الصرف في السوق السوداء في بلد ارتفعت فيه الأسعار بشكل هائل. وعلى وقع الأزمة الاقتصادية التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، خسرت العملة المحلية أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار. وتضاءلت قدرة المصرف المركزي على دعم استيراد سلع حيوية، بينها القمح والمحروقات والأدوية. "هذا حقنا" رفعت وزارة الاقتصاد مرات خلال العامين الماضيين أسعار أكياس الخبز العربي. وفاقم الغزو الروسي لأوكرانيا منذ شباط/فبراير الوضع مع صعوبة تصدير القمح، خصوصاً أن لبنان يستورد ثمانين في المئة من حاجته من أوكرانيا. وتعرضت قدرة لبنان على تخزين القمح لضربة قاسية بعدما تصدع قسم من إهراءات مرفأ بيروت جراء الانفجار المروع قبل نحو عامين. وتحذر السلطات منذ أيام من احتمال انهيار أجزاء منها. وبعد أشهر قضى اللبنانيون خلالها ساعات طويلة تجاوزت أحياناً 12 ساعة يومياً أمام محطات الوقود، رفعت الحكومة الدعم عن المحروقات حتى بات تعبئة سيارة صغيرة بالبنزين يعادل راتب خليل منصور. ويخشى اللبنانيون اليوم أن تتجه الحكومة أيضاً الى رفع الدعم عن القمح، ما يهدد بارتفاع سعر ربطة الخبز، وهو أمر لا يستطيع كثر تحمله خصوصاً أن ثمانين في المئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر. وأقرّ البرلمان اللبناني الثلاثاء اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار أميركي لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح، لكنها قد لا تكفي سوى لأشهر في غياب خطة واضحة. في فرنه المكتظ، ينهمك محمّد مهدي بتوزيع ربطتين من الخبز على الزبائن الواحد تلو الآخر، طالباً منهم الإسراع لكي يتمكن من تلبية طلبات الجميع. ويقول مهدي (49 عاماً) "منذ 16 يوماً، بدأ مشهد الطوابير، حتى أنه حصلت إشكالات بالسلاح والسكاكين"، مضيفاً "انتظار الخبز أصعب من البنزين، فالبنزين تستطيع أن تجد له بديلاً، تمشي أو تأخذ سيارة أجرة، لكن هنا نتحدث عن اللقمة". ويتابع أن "المواطن يشعر بالإهانة وهو ينتظر". أرادت دانية حسان (22 عاماً) أن تجنّب والدها عبء الانتظار أمام الفرن. وتقول "كان والدي ينظر نصف ساعة أو ينتقل من فرن إلى آخر.. لكنه يعمل منذ الصباح حتى آخر الليل لنشتري هذه الربطة". وتضيف "ماذا أقول.. إنها معاناة كبيرة جداً للحصول على الخبز، وهو حقنا، أقل ما يجب أن نحصل عليه". "وقع مدمر على الجميع" على وقع أزمة الخبز، يتهم أصحاب المطاحن السلطات المعنية بعدم توفير الكميات اللازمة من الطحين المدعوم، نتيجة تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات المالية وصعوبة الاستيراد، الأمر الذي تنفيه وزارة الاقتصاد، متهمة بعض الأفران بتخزين الطحين او استخدامه في صناعة منتجات غير مدعومة كالحلويات. ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية، تُحمِل السلطات اللبنانية جزءاً من مسؤولية الانهيار، لأكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في ظروف إنسانية صعبة بعدما فروا من الحرب المستمرة في بلادهم. ويشهد لبنان بين الفترة والأخرى ارتفاعاً في خطاب كراهية ضدّ اللاجئين ودعوات إلى ترحيلهم. وأوردت مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة في بيان الجمعة أن لبنان يشهد "حالياً زيادة في التّوتر بين الفئات المختلفة، وبالأخص في العنف ضد اللاجئين، ممّا يُؤَدّي الى تصاعد اعمال العنف". وأشارت إلى "تدابير تمييزية على أساس الجنسية"، مشددة على ضرورة استمرار الدعم الدولي للبنان "لضمان وصول الأمن الغذائي". وأفادت تقارير إعلامية مؤخراً أن بعض الأفران باتت توزع للبنانيين فقط وفصلت أخرى طو
مشاركة :