تمكنت الطفلة غنى المبحوح لأول مرة من محاكاة قصة معاناتها من تبعيات الإصابة بمرض السرطان من خلال مشاركتها في عرض مسرحي لـ "دمى الماريونيت" أو "عرائس الخيوط" أقيم مؤخرا في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وأدت غنى المبحوح (13 عاما) دور طفل يدعى "زلطة" في عرض مسرحي بعنوان "حلم عزوز"، الذي كان يلجأ لأسلوب التنمر على الآخرين للتقليل من ثقتهم بأنفسهم، من خلال تحريك عروس "ماريونيت" تجسد شخصيته. ولاقى العمل المسرحي الذي قامت به الطفلة الصغيرة سعادة كبيرة ما أثر إيجابيا على نفسيتها. وتقول غنى لوكالة أنباء ((شينخوا)) "اعتدت أن أشاهد عروض مسرحية يقدمها الآخرون لكن اليوم الوضع أصبح مختلفا، حيث أنني أصبحت أروي قصتي من خلال تحريك عرائس الماريونيت". وفي عام 2013، توقفت الحياة تماما بالنسبة للطفلة غنى المبحوح بسبب إصابتها بمرض سرطان الدم وبدء رحلة علاج استمرت لأعوام، حيث أجبرت على الابتعاد عن محيطها لفترة طويلة. وفي أعقاب تحسن حالتها قليلا وعودتها إلى منزلها حاولت الطفلة ممارسة حياتها بشكل طبيعي لكنها تعرضت للتنمر من قبل أصدقائها وصديقاتها خاصة عندما كانوا يعرفون أنها مريضة سرطان. وتستذكر الطفلة، بينما أغرورقت عيناها بالدموع "لقد كانوا يقولون بأنني سأموت، وأنهم يخشون أن يلعبوا معي (..) وهو شعور مؤلم"، مشيرة إلى أن ذلك دفعها لعزل نفسها تماما عن محيطها ورفض أي تعامل مع الآخرين. ومع ذلك، تشرح غنى المبحوح، "بفضل جلسات الدعم النفسي التي تلقتها بعد انضمامها إلى مؤسسة أهلية ترعى مرضى السرطان تمكنت من استعادة ثقتها بنفسها مجددا وأن تصبح قادرة على التفاعل مع محيطها بشكل طبيعي". وتقول غنى المبحوح "لقد قضيت أوقاتا جميلة مع زملائي مرضى السرطان وكذلك أصدقائي من الأطفال الأصحاء"، لافتة إلى أن كافة المواقف الصعبة والجميلة التي عايشتها بسبب مرضي "ترجمتها من خلال محاكاة قصتي في عرض دمى الماريونيت". وتضيف "صحيح أنني تمنيت الموت كثيرا للتخلص من الألم الجسدي والنفسي خلال رحلة علاجي، لكنني أشعر اليوم بأنني قوية قادرة على فعل كل شيء مفيد بسبب الطاقة الإيجابية التي اكتسبتها من خلال هذه النشاطات الترفيهية". الوضع ذاته عايشه الطفل عبد المنعم عبد العال (12 عاما) من رفح جنوب القطاع، الذي شارك في العرض المسرحي، مؤديا دور بائع الخضراوات الذي يحب الموسيقى والفنون ويشجع الأطفال الموهوبين على التمسك بأحلامهم. ويقول عبد العال، الذي يعاني من مرض سرطان الدم، لـ((شينخوا)) إن المرض تسبب بخسارتي رغبتي في الحياة وكنت أنتظر الموت لشهور طويلة، لافتا إلى أنه عاني كثيرا من الاكتئاب والضغوط النفسية. ومع ذلك، يضيف عبد العال، تغير الحال تماما بالنسبة له بعدما انضم لرفاق جدد من مرضى السرطان وآخرين أصحاء، حيث تبادل معهم خبراتهم من خلال مشاركتهم في عدد من النشاطات التفاعلية. ويشرح الطفل "عرفت أخيرا بأن الحياة لن تتوقف وأنني يمكنني أن أتغلب على هذا المرض من خلال تجاهله تماما وعدم التفكير به طوال الوقت، ولقد نجحت بأن أستعيد ثقتي بنفسي وبالمجتمع المحيط". وبعد فترة من الانقطاع بسبب تواجده داخل المستشفى لتلقي العلاج، عاد عبد العال إلى مدرسته محققا علامات عالية في دراسته، معربا عن أمله بأن يكمل تعليمه وأن يصبح طبيبا يوما ما ليعالج الأطفال مرضى السرطان. غنى المبحوح وعبد العال كانا من بين 59 طفلا آخرين من مرضى السرطان الذين دربهم مهدي كريرة، وهو فنان فلسطيني متخصص بصناعة "دمى الماريونيت"، على كيفية تحريكها لمحاكاة قصصهم الواقعية عبر عروض مسرحية مشوقة. ويقول كريرة (42 عاما) لـ((شينخوا)) إن الفنون الأدائية تساعد على تحسين نفسية الأطفال مرضى السرطان، من خلال إكسابهم مهارات جديدة تمنحهم القدرة على الانتقال إلى عالم الخيال والإبداع المليء بالطاقة الإيجابية. ويضيف كريرة، بينما يشرح لمجموعة أطفال حوله كيفية استخدام الدمى، إن "مرضى السرطان خاصة فئة الأطفال عادة ما يعانون من انعدام الثقة بأنفسهم عندما تتغير ملامحهم قليلا بسبب تأثير العلاج الكيماوي". واعتبر تسارع الأطفال من مرضى السرطان إلى التفاعل بشكل إيجابي مع هذا الفن المحبب بالنسبة لهم، يساعدهم على التخلص من كافة مخاوفهم الداخلية من خلال التحكم بالدمى وتحريكها والتعامل معها كما لو أنهم بشر حقيقيون. ويوجد في قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة حوالي 14000 مريض بالسرطان، بينهم أكثر من 700 طفل، بحسب إحصائية صدرت عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان العام الماضي. وفي الصدد تقول مهى شاهين، مديرة جمعية "ساهم" لرعاية مرضى السرطان وهي غير حكومية، لـ((شينخوا)) إن الاعتقاد السائد في المجتمع الفلسطيني بأن مريض السرطان هو في "عداد الموتى مع الأسف الشديد". وأكدت مهى شاهين أهمية تشجيع المرضى على التمسك أكثر بالحياة وأن يكون لديهم قدرة أكبر على محاربة هذا المرض من خلال تعزيز ثقتهم بأنفسهم و علاقاتهم مع محيطهم من الأهل والأصدقاء والجيران. واعتبرت أن الأنشطة الترفيهية التفاعلية تترك أثرا إيجابيا على نفسية الأطفال المرضى وتتيح لهم المجال لتنمية ذكائهم العقلي وتزيد من إبداعاتهم التي تعتمد على الخيال، معربة عن أملها في تنفيذ المزيد من البرامج الترفيهية العلاجية التي تستهدف الأطفال بشكل عام، والمرضى منهم بشكل خاص.
مشاركة :