مقالة خاصة: مبتورو أطراف يحاكون واقعهم المرير في غزة عبر خشبة المسرح

  • 7/19/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ببراعة وإبداع، تمكن عدد من مبتوري الأطراف في قطاع غزة من محاكاة واقعهم الصعب الذي يعيشونه عبر عروض مسرحية تجمع ما بين الكوميديا والتراجيديا. وقدم 18 ممثلا من ذوي البتر غالبيتهم من مصابي الحروب الإسرائيلية التي شنت على القطاع، عرضين مسرحيين أخيرا على خشبة مسرح "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني" غرب مدينة غزة وسط إشادة وتفاعل من جانب الجمهور. وأدى 10 من الممثلين الذكور عرضا مسرحيا بعنوان "سليم السليم" لنقل معاناتهم بالاندماج في المجتمع الفلسطيني، خاصة عدم تمكنهم من الحصول على فرص عمل تساعدهم على إعالة أسرهم. فيما قدمت ثماني ممثلات عرضا مسرحيا ثانيا بعنوان "طرف" يحاكي التحديات التي تقابل المرأة الفلسطينية في تركيب طرف صناعي وتقبل المجتمع لها. وكان الوقوف على خشبة المسرح أمام الجمهور بمثابة "حلم" للشاب عدلي عبيد (30 عاما) والذي فقد قدمه اليسرى في قصف إسرائيلي قبل عدة أعوام. ويقول عبيد بينما انتهى للتو من عرضه المسرحي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لم أتوقع يوما أن أقف على خشبة مسرح كبير لأقوم بأداء تمثيلي يحاكي معاناتي الحقيقية في الحياة". ويضيف عبيد، وهو أب لأربعة أبناء، "قبل بدء العرض، كنت أشعر بخوف شديد ورهبة من الظهور أمام العشرات من المتفرجين (...) لم أكن واثقا بأنني سأنجح في نطق كلمة واحدة". وما ان ظهر عبيد أمام الجمهور تلاشى الخوف لديه وبدأ بأداء دوره في المسرحية، متناسيا جميع من كانوا حوله، قائلا: "في هذه اللحظة، شعرت بأنها فرصتي الذهبية كي أنقل رسالتي للمجتمع والعالم بأننا أشخاص كاملون ولنا الحق في العيش أسوة بالأشخاص الأصحاء". الشعور ذاته سيطر على منصور القرم (28 عاما)، وهو ممثل آخر من ذوي البتر. ويقول القرم، وهو أب لثلاثة أطفال، لـ((شينخوا)) "اعتدنا مشاهدة أعمال فنية كثيرة تحاكي واقعنا، إلا أنها كانت تولد لدى الجمهور شعورا بالشفقة علينا مما كان يشعرني بالانزعاج". ويضيف القرم "حتى وإن كان الهدف من العروض التي يقدمها الأصحاء نبيلا من خلال تشجيع المجتمع على تقبل وجودنا وأن يتم منحنا الفرصة للعمل، لكن غالبا يكون الأسلوب فيه نوع من الشفقة والإحسان". ويشتكي معظم الأشخاص من ذوي البتر في القطاع من عدم حصولهم على فرص عمل تساعدهم على إعالة أسرهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك يرى المشاركون في العروض المسرحية أنهم نجحوا في أن يثبتوا للجمهور أنهم أشخاص أقوياء ولديهم القدرة على تحدي واقعهم والاندماج في غالبية مجالات العمل حتى وإن كان الأمر يبدو أمام الآخرين أنه صعب على فئة ذوي البتر. وتقول خلود السيسي (25 عاما)، وهي إحدى الممثلات في المسرحية الثانية، إن "التمثيل من أصعب المهن، خاصة وأن الممثلين يقضون ساعات طويلة يوميا في أوقات التدريب قبيل بدء العرض المسرحي أمام الجمهور". وتضيف خلود بينما ترتدي طرفا صناعيا في قدمها اليمني لـ((شينخوا)) أن "الصعوبة مضاعفة للأشخاص ذوي البتر كونهم يرتدون الأطراف الصناعية فترات طويلة مما يتسبب لهم بالألم". وجاءت العروض المسرحية بعد تدريبات مكثفة للممثلين استمرت أكثر من 35 يوما تحت إشراف جمعية "بذور" للثقافة والفنون في غزة، وبرعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتقول ماريا سوليداد نائبة رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة لـ((شينخوا)) إن الممثلين من ذوي البتر أثبتوا قدرتهم على كسر الصورة النمطية عنهم من خلال الفن ونجحوا فعلا في تشكيل حملة مناصرة لحقوقهم في الدمج المجتمعي. وأضافت أن الإعاقة الحقيقية ليست جسدية ولكن في العقول التي تصر على التمييز ما بين شخص وآخر في حال فقد أي جزء من جسده، واصفة الممثلين بالأبطال المبدعين. ولاقت العروض المسرحية تفاعلا من قبل الجمهور الذي شغل جميع المقاعد في داخل المسرح، وسط تصفيق وتشجيع الحاضرين بحماس، للممثلين المشاركين ما بين مشهد وآخر لرفع معنوياتهم. وأعربت أريج عايش، وهي إحدى الحاضرات للعرض المسرحي برفقة عدد من صديقاتها لـ ((شينخوا)) عن فخرها بالأداء المميز للممثلين خاصة أن جميعهم من ذوي البتر، مشيرة إلى أنهم نجحوا في تغيير النظرة لتلك الفئة والتأكيد على أنهم جزء أساسي من المجتمع. وحاليا، يتحضر الممثلون لتقديم مزيد من العروض المسرحية في القطاع، وسط آمال بأن يتم رعايتهم من قبل المؤسسات المحلية والدولية التي تهتم بالجانب الثقافي. ويقول عبيد "اليوم، أستطيع أن أقول إننا خير سفراء للقضية الفلسطينية"، معربا عن أمله في أن يتمكنوا من التمثيل على مسارح عربية ودولية في المستقبل لنقل معاناتهم وواقعهم المرير. ويوجد في قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل منذ عام 2007، ما يقرب من 49 ألف شخص من ذوي الإعاقة، أي ما يعادل 2.4 في المائة من إجمالي سكانه، وفق مسؤولين في جمعيات فلسطينية.■

مشاركة :