غادرت الاثنين أول شحنة من الحبوب الأوكرانية منذ انطلاق الحرب، وذلك من ميناء أوديسا باتجاه لبنان وسط ترحيب أممي، في خطوة يؤكد محللون أنها انفراجة مؤقتة إذ لا تزال روسيا تهدد بنقض اتفاق تصدير الحبوب الذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة ما لم يتم رفع العقوبات الغربية عن صادرات المنتجات الزراعية الروسية. وغادرت السفينة رازوني، التي تحمل علم سيراليون، أوديسا إلى الأسواق الخارجية بموجب اتفاق ممر آمن وهي الأولى التي تغادر أوكرانيا منذ الغزو الروسي الذي أوقف الشحن عبر البحر الأسود منذ خمسة أشهر. وأمكن تسيير السفينة بعد أن توسطت تركيا والأمم المتحدة في اتفاق لتصدير الحبوب والأسمدة بين روسيا وأوكرانيا وقع الشهر الماضي. ويشهد تنفيذ الاتفاق تقدما تدريجيا حتى الآن، وذلك مع افتتاح مركز في إسطنبول الأسبوع الماضي لمراقبة تصدير الحبوب. ويضم ممثلين من أوكرانيا وروسيا والأمم المتحدة وتركيا، إلا أن مواصلة العمل بالاتفاق تحدوها شكوك عمقها الجانب الروسي الذي يطالب برفع العقوبات الغربية عن المنتجات الزراعية الروسية مقابل الالتزام بالاتفاق. والأربعاء الماضي قال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو إن “اتفاقا بوساطة تركية يسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ على البحر الأسود قد ينهار إذا ما لم تتم إزالة العقبات أمام الصادرات الزراعية الروسية على الفور”. أندريه رودينكو: الاتفاق لن يستمر ما لم ترفع العقوبات عن منتجاتنا وأضاف رودينكو أن “شحنات الحبوب الأوكرانية ستبدأ”، لكنه استدرك بالقول “آمل أن يستمر الاتفاق”. ويستهدف الاتفاق السماح بمرور آمن لسفن الشحن داخل وخارج الموانئ الأوكرانية التي يحاصرها الأسطول الروسي في البحر الأسود منذ غزو موسكو في الرابع والعشرين من فبراير. ونال الاتفاق إشادة باعتباره انفراجة دبلوماسية ستساعد في كبح أسعار الغذاء العالمية الآخذة في الارتفاع من خلال ترتيب شحنات الحبوب الأوكرانية لإعادتها إلى مستويات ما قبل الحرب التي كانت تصل إلى خمسة ملايين طن شهريا. وافتتح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الأربعاء مركزا في إسطنبول سيشرف على تصدير الحبوب الأوكرانية. وسيشرف مركز التنسيق المشترك في إسطنبول على الشحنات المغادرة من ثلاثة موانئ أوكرانية حيث سيتعين على السفن الالتفاف على الألغام، كما ستكون من مسؤولياته إجراء عمليات تفتيش للسفن القادمة لمنع تهريب الأسلحة. وستمر جميع السفن عبر المياه التركية وسيكون لدى جميع الأطراف ممثلون في مركز التنسيق لمراقبة تنفيذ الخطة. وسيعمل 20 فردا من أوكرانيا وروسيا وتركيا والأمم المتحدة في المركز جنبا إلى جنب. وقال أكار متحدثا في جامعة الدفاع الوطني في حي ليفنت بوسط إسطنبول حيث يقع مركز التنسيق المشترك إن “هناك أكثر من 25 مليون طن من الحبوب في انتظار تصديرها”. وأضاف في تصريحات للصحافيين في مركز المراقبة “في الوقت الحالي تستمر الاستعدادات والخطط لمغادرة السفن الأولى المحملة بالحبوب الموانئ الأوكرانية”. وصادرات الحبوب الأوكرانية أساسية للأمن الغذائي العالمي وقد ظلت 25 مليون طن منها عالقة في البلد منذ بدء الغزو الروسي. ويعتزم برنامج الغذاء العالمي شراء وتحميل وشحن 30 ألف طن من القمح من أوكرانيا، على متن سفينة مستأجرة تابعة للأمم المتحدة. ويأتي الأجراء “تماشيا مع الروح الإنسانية” لمبادرة بغرض السماح للسفن بالإبحار من الموانئ الأوكرانية. ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإبحار أول سفينة تحمل حبوبا من أوكرانيا من ميناء أوديسا الأوكراني إلى لبنان، قائلا إنه يأمل في أن تتبعها سفن أخرى كثيرة. وقال متحدث أوروبي الاثنين في بروكسل إن بدء تصدير شحنات الحبوب من ميناء أوديسا بالبحر الأسود في أوكرانيا ”خطوة أولى نحو تخفيف أزمة الغذاء العالمية”. وأضاف المتحدث باسم الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي بيتر ستانو ”نتطلع لتطبيق الاتفاق بأكمله واستئناف الصادرات الأوكرانية لجميع الزبائن حول العالم”. وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إن تراجع صادرات القمح والسلع الغذائية الأخرى من أوكرانيا وروسيا يدفع ما بين 11 مليونا و19 مليون شخص لبراثن الجوع خلال العام المقبل. وتسبب الصراع في أوكرانيا في أزمة غذاء عالمية، مع ارتفاع أسعار الحبوب وزيوت الطهي والوقود والأسمدة. وتزوّد روسيا وأوكرانيا العالم بما يقرب من ثلث إمدادات القمح، في حين أن روسيا هي أيضا مُصدر رئيسي للأسمدة وأوكرانيا مورّد أساسي للذرة وزيت دوار الشمس. بدء تصدير شحنات الحبوب خطوة أولى نحو تخفيف أزمة الغذاء العالمية بدء تصدير شحنات الحبوب خطوة أولى نحو تخفيف أزمة الغذاء العالمية وقالت الفاو أيضا في تقرير إن زيادة تكلفة المستلزمات الزراعية مثل الأسمدة يمكن أن تثني المزارعين عن التوسع في الإنتاج وتفاقم الأمن الغذائي في البلدان الفقيرة التي تتحمل فواتير استيراد كبيرة. وكشفت مصادر أوروبية أن الاتحاد الأوروبي يستعد لوضع استثناءات في عقوباته على روسيا، بحيث يسمح بالإفراج عن أصول لبنوكها مرتبطة بتجارة الأغذية والأسمدة، وهو شرط روسيا لمواصلة تنفيذ الاتفاق. وبحسب شبكة يورو نيوز الأوروبية، فإن “وثيقة أوروبية أظهرت أن الاتحاد الأوروبي سيعدل العقوبات التي يفرضها على روسيا بحيث يسمح بفك تجميد بعض أموال البنوك الروسية والتي قد تكون مطلوبة لتخفيف الاختناقات في التجارة العالمية للمواد الغذائية والأسمدة”. ونقلت وسائل إعلام غربية عن دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي أن الدول الأعضاء “تريد أن توضح بجلاء أنه لا يوجد شيء في العقوبات يبطئ نقل الحبوب من روسيا أو أوكرانيا”. ومقترح الاتحاد الأوروبي هو جزء من التحديث الأخير للعقوبات الأوروبية على روسيا والتي يتم التفاوض عليها من قبل الدول الأعضاء. ويتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء لدخوله حيز التنفيذ وسيكون الاستثناء متاحا للبنوك الروسية المدرجة بالفعل في القائمة السوداء لعقوبات الاتحاد الأوروبي عندما “تكون هذه الأموال أو الموارد الاقتصادية، وفقا لمسودة الوثيقة، ضرورية لشراء أو استيراد أو نقل المنتجات الزراعية والغذائية، بما في ذلك القمح والأسمدة”. وأطلق الجيش الروسي هجوما على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تبعه رفض دولي وعقوبات اقتصادية مشددة على موسكو. وتشترط روسيا لإنهاء عمليتها تخلي كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية والتزام الحياد، وهو ما تعده الأخيرة “تدخلا” في سيادتها.
مشاركة :