دعاني صديقي لمرافقته لزيارة قريب له في منزله، وعندما وصلنا وجدته رجلا مقعدا على كرسي متحرك يستقبل زواره بكل رحابة صدر، والابتسامة حاضرة في محياه لا تغيب. مع تبادل الأحاديث قال لي إنه أصيب حديثا بشلل نصفي أثناء مهمة في عمله وإنه نجا من الموت بحمد الله وكتب الله عليه أن يعيش بقية حياته على كرسي متحرك.لكنني وجدت أمامي رجلا عظيما يتحدث بشجاعة وبسالة وإيمان ولديه القوة والشجاعة والعزيمة التي يتجاوز بها هذا الابتلاء.وجدت الصبر والقناعة والرضا والهمة والتأقلم السريع مع الحادثة فالرجل يعيش بروح إنسانية رائعة تتخطى الفاجعة وتوابعها إلى حياة أكثر رحابة، فهناك قناعات تجاوزت ندب الحظ والسخط والاستسلام والهزيمة إلى التفاؤل والأمل وحب الحياة.يقول: بدأت أرسم ملامح حياتي الجديدة، أكملت بناء المنزل وسكنت فيه كخطوة مهمة ترفع معنوياتي وتمنحني وهجا يضيء دربي ودرب أسرتي الصغيرة ويرفع معنوياتي فكان لي ذلك.أخبار متعلقةشكرًا لهيئة الإعلام المرئي والمسموعتوازن الفرص.. وتفوق المنظومة الاقتصاديةالطاقة المتجددة والاحتباس الحراريغيرت نمط حياتي، أصبحت استقبل الناس في مجلسي وأعيش بالقرب منهم ولا اعتزلهم، فالقرب من الناس والأقارب يشعرك أنك جزء من مجتمعك وتعيش فيه ومندمج معه، ونشأت بيني وبين أطفالي الصغار علاقة خاصة تقوم على إشعارهم أنهم السند الحقيقي لي وأنني بهم ازداد تماسكا.كنت طيلة جلوسي أتابع ملامح وجهه، وحركاته، وأنا غارق في متابعة تفاصيله الصغيرة حيث أدركت أننا بتفكيرنا نصنع الفرق في الحياة وأن العجز لا تحكمه حركة أقدامك ولا المكان الذي تريد الذهاب إليه بل الروح التي تسكتك والإرادة التي تحركك والغاية التي تطمح لها وتقاتل من أجلها، وأن الشلل الحقيقي ليس في الأجساد بل في العقول والقلوب، فقد حققت إرادته وطموحه ما عجز أن يحققه بعض الأصحاء الذين لا يعانون من إصابة جسد أو عاهة جسم.هذا الموقف عاد بي للذاكرة لسنين مضت عندما زرت صديقا بترت كلتا قدميه وأصبح رجلا بنصف جسد، فقد كنت أجمع عبارات المواساة التي أخفف بها عنه هذا المصاب، فوجدت أمامي رجلا قويا صابرا ومحتسبا ومبتسما، يملك نقاء القلب وجمال الروح وليس رجلا عاجزا ومكسورا، كان كبيرا بعزيمته وهمته وقوة إيمانه فأيقنت أن الرجال العظام لا تحبطهم ولا تكسرهم الأزمات، وأن من يعيش بروحه لا بجسده يستطيع الصمود والمقاومة ويبقى قويا رغم كل الظروف.استرجعت شكوى وتباكي بعض من أكرمهم الله بالصحة والعافية والنعم المتتالية والمتعاقبة والكثيرة، ولكنهم لا يكتفون ولا يشكرون ولا يقتنعون، فهم رغم وجود البدن السليم إلا أن أنانية الحياة تتملكهم فهم يريدون كل شيء وكأنهم لا يملكون شيئا.إشكالية بعضهم أنهم يستحقرون النعم المتعددة والمتكررة والموجودة بحياتهم ويقدمون الشكوى على الشكر والرضا، ويقدمون ذكر النقمة على حمد النعمة فالسعادة أنت من يجدها وليس هي من تجدك، والمواقف تتفاعل معها وليس تستسلم لها.لا تشعر نفسك ولا من حولك أنك فاقد للنعم، ولا توحي لهم أنك متذمر فنعم الله محيطة بك من كل جانب، فالذين لا تعلمهم المصائب والابتلاءات التي تحدث لغيرهم ويتعظوا منها فإنهم لن يتعلموا أبدا.اجعل مصائب غيرك تكسبك الإيجابية وتعلمك حب الحياة، فستعلمك تلك الإيجابية المشاركة ونكران الذات وأن تكون مع الجماعة وليس وحدك.علمني صاحب الكرسي المتحرك وفاقد القدمين قيمة القبول والرضا والتعايش والعطاء والإيمان وأثر ذلك كله على حياتنا.تعلمت تجاوز الماضي وعيش الحاضر وانتظار المستقبل بأمل فالعزيمة لا تجعلك تنكسر أو تضعف أو تستسلم، والعظماء ليسوا المنظرين ولا أصحاب الكلمات الرنانة بل أصحاب المواقف الحقيقية الذين لا تكسر المصائب عزائمهم ولا تنهي حبهم للحياة.samialjasim1
مشاركة :