لا تزال أمام الأزمة الليبية أشواط كبيرة حتى تجد حلا لتعقيداتها وتطرق باب الاستقرار، فمع الصراع بين حكومتين متنافستين: الأولى في طرابلس يترأسها عبدالحميد الدبيبة والثانية في سرت برئاسة فتحي باشاغا، يظهر الجنوب الليبي كطرف منسي، لكنه قادر على تفجير الأوضاع بعد تهديده بوقف ضخ النفط في أكبر حقلين تستغلهما شركة إيني الإيطالية. وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الأربعاء إن القائم بأعمال رئيس البعثة رايزدون زينينغا استقبل وفدا من الجنوب الليبي، والذي عبّر عن مخاوفه مما وصفه بتهميش وإهمال الجنوب، ودعا إلى إجراء تحقيق في حادثة انفجار ناقلة وقود الاثنين الماضي. وذكرت البعثة عبر حسابها على تويتر أن الوفد، الذي يضم نوابا وممثلين عن المجتمع المدني، طلب دعم البعثة الأممية في "مناصرة مطالبهم بالتوزيع العادل للموارد في جميع أنحاء البلاد، وزيادة إشراك أبناء الجنوب الليبي في العملية السياسية وأجهزة الدولة والمؤسسات الوطنية". وشدد زينينغا على أن الانتخابات الوطنية التي ينبغي إجراؤها في أقرب وقت ممكن "من شأنها أن تنتج مؤسسات شرعية وخاضعة للمساءلة تعطي الأولوية للقضايا التي أثارها الوفد"، معبرا عن دعمه لدعوة الوفد إلى إجراء تحقيق كامل في انفجار ناقلة الوقود. ويظل الجنوب ركنا أساسيا في المعادلة السياسة في البلاد، ومن الصعوبة الوصول إلى الأمن والاستقرار في ليبيا من دون الالتفات إلى هذه المنطقة الحيوية والبحث عن حلول لأزماتها بالتساوي مع الغرب والشرق. ويأتي لقاء زينينغا مع وفد من الجنوب الليبي بعد يوم على تحرك احتجاجي في مدينتي سبها وأوباري، عقب حادثة انفجار صهريج وقود أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 70 آخرين بحروق جسيمة ومتفاوتة، حسب بيانات رسمية، خلال عملية تدافع من أجل الحصول على مخصصاتهم من الوقود، بعد تعطل الشاحنة في الطريق العام، في حادثة ألقت الضوء على أزمة التزود بالمحروقات في منطقة الجنوب الغنية بالنفط، وندرة البنزين والمنتجات البترولية، بسبب انتعاش ظاهرة التهريب بالتورط مع الأجهزة الرسمية للدولة. وأغلق المحتجون الطريق الرابط بين مدينتي أوباري وسبها جنوبي البلاد، وأوقفوا تنقل الشاحنات إلى الحقول النفطية الواقعة بالمنطقة، تنديدا بتردّي الأوضاع المعيشية والخدمية ونقص الوقود، مطالبين بتحقيق العدالة بين الجهات. وتجمّع المحتجون في مكان الحادث برفقة أهالي الضحايا والمصابين، مهدّدين بالتصعيد الذي قد يصل إلى إغلاق المنشآت النفطية وتوقيف الإنتاج وضخ المياه من النهر الصناعي، في حال عدم استجابة السلطات لمطالبهم خلال أسبوع واحد. وهتف المحتجون بشعارات مناهضة للمنظومة الحاكمة، ودعوها إلى الرحيل عن السلطة، وأغلقوا الطريق العام بين مدينتي أوباري وسبها بالسيارات التي احترقت وتضرّرت من انفجار شاحنة الوقود. كما وجّه المحتجون دعوات لسكّان مدن الغرب والشرق الليبي لإعلان التعاطف مع حراكهم والخروج في حراك شعبي يشمل كافّة مدن ليبيا، إلى حين رحيل كلّ الطبقة السياسية وإجراء الانتخابات. وتأتي تلك التطورات على خلفية ما يعتبره مراقبون تهميشا كبيرا للمنطقة الجنوبية، التي بات ينتشر فيها مسلحون، وجماعات تهريب، مع غياب الأمن واتساع البطالة بين الشباب، الذين تحولوا إلى "مقاتلين تحت الطلب". وتعاني منطقة الجنوب الليبي من ندرة البنزين، بسبب عمليات التهريب إلى دول الجوار مثل النيجر وتشاد نتيجة غياب السيطرة الأمنية على الحدود الجنوبية، وكذلك بسبب بيعه بالسوق السوداء بأسعار مضاعفة، عوضا عن تسويقه بمحطات التوزيع الرسمية التابعة للدولة. ونقلت منصة فواصل الليبية عن السالك نينو منسق حراك فزان الأربعاء، القول إن ما وصفه بمكونات الجنوب قد اتفقت على إغلاق حقلي الشرارة والفيل النفطيين الإستراتيجيين ما لم تتحقق مطالبهم. وأضاف نينو أن تلك المكونات أمهلت الجهات المسؤولة 72 ساعة لتحقيق مطالبها، التي وصفها بالمشروعة، وإلا فسيتم إغلاق الحقلين. ويحرج قرار إيقاف ضخ النفط من حقلي الشرارة والفيل اللذين تشرف عليهما شركة إيني الإيطالية، حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة الدبيبة التي احتفت مؤخرا بارتفاع كبير في مستويات إنتاج النفط في البلاد، ليصل إلى 1.2 مليون برميل يوميا. ويرى متابعون للشأن السياسي الليبي أن هذا التصعيد يمثّل رسالة للسلطات في طرابلس وللمجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة، مفادها أن الجنوب تنازل بما فيه الكفاية، وسيكون رقما صعبا في المعادلة السياسية في المستقبل. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :