تعكس الدعوات إلى تدويل قضية انفجار مرفأ بيروت تشاؤم اللبنانيين من الوصول إلى الحقيقة ومحاسبة الجناة في بلد تتمتع فيه الطبقة السياسية الحاكمة بنفوذ داخل المؤسسة القضائية يبعدهم عن المحاسبة الجنائية. وشارك الآلاف من المحتجين في مسيرات بالعاصمة اللبنانية الخميس في ذكرى مرور عامين على الانفجار الكارثي بمرفأ بيروت، مرددين هتافات تندد بفشل الحكومة في كشف الحقيقة وراء الانفجار. وشهد مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 انفجارا ضخما أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، ملحقا دمارا واسعا بالمرفق وعدد من أحياء العاصمة. ونظم أهالي الضحايا الذين طالبوا بتحقيق دولي جراء عرقلة التحقيق المحلي في بلد تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب، ثلاث مسيرات شارك فيها الآلاف، انطلقت الأولى من أمام قصر العدل. بطرس الراعي: تكبيل يد البيطار يهدف إلى طمس الحقيقة وعرقلة العدالة وانطلقت مسيرة ثانية من مقر فوج الإطفاء، تجسيدا للرحلة الأخيرة لعناصر الفوج التسعة الذين هرعوا إلى المرفأ قبل دقائق من دوي الانفجار وقتلوا جميعهم. وحمل المشاركون نعوشا خشبية بيضاء ملطخة باللون الأحمر، وعليها أسماء عناصر فوج الإطفاء. كما انطلقت مسيرة ثالثة من وسط بيروت الذي لطالما شكّل قلب التظاهرات الشعبية المناوئة للطبقة السياسية المتهمة بالتقصير والإهمال والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة. والتقت المسيرات الثلاث قبالة مرفأ بيروت. وحمل المتظاهرون لافتة كُتب عليها “لا عدالة للضحايا في ظل حكم الميليشيا والمافيا”، في إشارة إلى الطبقة السياسية المتهمة بالتدخّل في عمل القضاء. ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021 غضب الأهالي المنقسمين بدورهم بشأن عمل المحقق العدلي طارق بيطار الذي يواجه دعاوى رفعها تباعا مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون. ويثير التحقيق انقساما سياسيا مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله على عمل بيطار واتهامه بـ”تسييس” الملف. وينتظر بيطار، وفق مصدر قضائي، “البتّ بالدعاوى ضده” ليستأنف في حال ردها تحقيقاته وليتابع “استجواب المُدعى عليهم” تمهيدا لختم التحقيق. وواجه بيطار مقاومة من جميع المسؤولين الحاليين والسابقين الذين سعى لاستجوابهم، بحجة أنهم يتمتعون بالحصانة أو أنه يفتقر إلى سلطة مقاضاتهم. وامتد الصراع في ساحات المحاكم وفي الحياة السياسية والشوارع. وأغرق المشتبه بهم المحاكم العام الماضي بأكثر من 20 قضية تسعى لإبعاد بيطار بدعوى تحيزه وارتكابه لـ”أخطاء جسيمة”، مما أدى إلى توقف التحقيق عدة مرات. وقال الوزراء السابقون إن أي قضايا ضدهم يجب أن تنظرها محكمة خاصة بالرؤساء والوزراء. ولم تحاسب تلك المحكمة أي مسؤول قط، وستنقل قيادة التحقيق إلى الأحزاب الحاكمة في البرلمان. والتحقيق في غياهب الجب منذ أوائل 2022 بسبب تقاعد قضاة محكمة يتعين أن تفصل في العديد من الشكاوى بحق بيطار قبل أن يتمكن من الاستمرار في تأدية عمله. Thumbnail وأوقف وزير المالية المدعوم من بري التوقيع على مرسوم بتعيين قضاة جدد، مشيرا إلى مخاوف بشأن التوازن الطائفي. ولم يلاحق بيطار أيا من أعضاء جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران. ومع هذا شن حزب الله حملة شرسة عليه العام الماضي بعد أن سعى لاستجواب حلفاء له. وبعث مسؤول كبير في حزب الله برسالة إلى بيطار يحذره فيها من أن الجماعة “ستقتلعه”. وتحولت مظاهرة مناهضة لبيطار دعا إليها حزب الله وحلفاؤه في أكتوبر الماضي إلى أعمال عنف دامية. واتهم حزب الله الولايات المتحدة، التي تصنف الجماعة على أنها منظمة إرهابية، بالتدخل في التحقيق، وهو ما نفته السفيرة الأميركية. ونفى حزب الله الاتهامات التي وجهت إليه وقت الانفجار بأنه كان يخزن أسلحة في المرفأ وقال إنه لا علاقة له بالانفجار. ولطالما اتهم خصوم حزب الله الجماعة بالسيطرة على المرفأ، وهو ما تنفيه أيضا. ومع تعثّر التحقيق المحلي، ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس بمرور عامين “من دون عدالة”. ودعا إلى “إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف”. وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية الناطقة بالفرنسية “يشهد لبنان أزمة غير مسبوقة. ويحتاج إلى العدالة كذلك من أجل النهوض”. وتطالب عائلات عدد من الضحايا باريس بدعمها لتحقيق هذا المطلب. ودعا ستة خبراء مستقلين الأمم المتحدة الأربعاء إلى “فتح تحقيق دولي بلا تأخير” تزامناً مع مطالبة 11 منظمة حقوقية مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق. وقال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال ترؤسه قداساً لضحايا انفجار المرفأ “لا تعرقلوا عمل المحقّق العدليّ بطلبات الردّ المتسارعة بحقّه، بقصد تكبيل يديه بغية طمس الحقيقة وعرقلة العدالة، لا تعرقلوا التحقيق بالضغط السياسيّ على القضاة، وبعدم إعطاء أذونات ملاحقة بحقّ مطلوبين للتحقيق”.
مشاركة :