تزامنا مع الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت التي يحييها كل اللبنانيين داخل البلاد وخارجها، تقدم الفنانة التشكيلية اللبنانية ريتا الجميل معرضا فرديا يرفع الأمل شعارا ويدعو إلى تجاوز الماضي بكل مآسيه والتحرر من الخوف لبناء مستقبل أفضل. وينعقد المعرض الذي يستمر إلى غاية التاسع من أغسطس الجاري في صالة “إكزود” بالتعاون مع جمعية “إل.بي – أوي” تحت عنوان “لبنان، النور ينبثق من الظلام”، ويتضمن 21 لوحة مشغولة ضمن فن الوسائط المختلفة “ميكسد ميديا”. وجاءت اللوحات الفنية حسب البيان المصاحب له “ردا على انفجار بيروت المروع الذي حدث قبل عامين، يهدف معرض الجميل إلى معالجة المأساة المدمرة لانفجار بيروت من خلال تذكيرنا بالنهوض ومحاربة جميع أشكال الخوف”. معرض ريتا الجميل يأتي ليذكر بأن ذكرى انفجار المرفأ التي صارت كابوسا مخيفا للبنانيين ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية ويتابع البيان أن “بيروت مدينة تعيش حالة حرب دائمة وتحولات مستمرة. ومعركة الخروج من الرماد ومواجهة الدمار لا تقتصر فقط على الدمار المادي؛ فعندما تحل المأساة، علينا أن نتذكر أنه الوقت الأمثل لإظهار بعض الحب. هذه هي الرسالة الرئيسية من هذا المعرض الفني: تذكير العالم بأنه علينا الوقوف معا من أجل أن نكون قادرين على محاربة الخوف”. ويستكمل هذا المعرض الذي يرفع شعار “بيروت ليست مدينة خوف. بيروت مدينة فن وحب”، سلسلة من المعارض بدأت في 2019، تبلورت معالمها خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت. حيث أراد منظمو المعرض أن يكونوا شركاء حقيقيين وناشطين فعليين في مجتمعهم اللبناني على مدار السنة من خلال مبادرة “محاربة الخوف”. ويأتي معرض ريتا الجميل، المقام لدى “غاليري إكزود – الأشرفية”، ليذكر بأن ذكرى انفجار المرفأ التي صارت كابوسا مخيفا للبنانيين، ستظل راسخة لوقت طويل في الذاكرة الجماعية. فالانفجار الرهيب، الذي قل نظيره في التاريخ الحديث، خلّف عشرات من الضحايا ودماراً لم يسهل ترميمه بعد وترك قصصاً لا تنتهي عن حزن وخوف وخسارات يسمع صداها من قلوب المنكوبين بينما ينظر إليها الساسة اللبنانيون صامتين. ويحاول المعرض بث بعض الضوء في العتمة التي أحاطت لفترة بالفنانة نفسها، بصفتها واحدة من العشرات من اللبنانيين الذين فقدوا منازلهم، وعاشوا لحظة الانفجار برهبتها، فتراها ترسم بألوانها الزاهية والمتناغمة مشاهد الدمار وصورا لإهراءات القمح المتداعية، وللشبابيك البلورية المتفجرة والمتناثرة على أرضيات المنازل. وتبدو إحدى لوحات الفنانة رؤية بانورامية تطل على المرفأ بعد الانفجار، حيث هدأت أعمدة الدخان المتصاعدة، لكن مظاهر الدمار لا تزال واضحة على المكان بأكمله، تبعث الخوف في النفس لكنها تذكر بألوانها المنيرة والمتحررة من الأسود المظلم بأن بيروت لا تزال مدينة حب وحياة وأن الانفجار سيظل ذكرى لكنه لن يوقف اللبنانيين عن العيش والاستمتاع. المعرض بعنوان "لبنان، النور ينبثق من الظلام"، ويتضمن إحدى وعشرين لوحة مشغولة ضمن فن الوسائط المختلفة ويُقام المعرض في صالة “إكزود” التي تضررت هي الأخرى بشدّة منذ سنتين، نظراً إلى وجودها في مكان غير بعيد من مكان الانفجار، لكن أصحاب الصالة كانوا جزءا من “النور” الذي تتكلم عنه ريتا الجميل في معرضها، فسرعان ما نفضوا غبار الدمار عن المكان، شأنهم شأن صالات أخرى تقع في المنطقة القريبة نفسها، ليعاودوا نشاطاً فنيا مكثفا وثريا يلتزم بمحاولة إصلاح ما أفسدته الحادثة في نفوس الفنانين والعامة على حد السواء. ويمكن اعتبار أعمال الفنانة اللبنانية لونية في المقام الأول، حيث تضفي شحنة من التفاؤل على المأساة عوض أن تصورها بكل مظاهرها الواقعية المجردة. واتسم التعامل مع حادثة انفجار المرفأ، في المجال التشكيلي اللبناني، بمسارين تعبيريين اثنين مختلفين، طغى كل واحد منهما على لوحات الفنانين، فقسمهم إلى مجموعتين، واحدة تسعى لتصوير المأساة في حد ذاتها بطرق متعددة، أو تصوير نقيضها، في محاولة للهرب منها ومن الضرورة الملحة للتطرق إليها، مع الإشارة إليها ضمنيا، في حين اختارت المجموعة الثانية أن تنثر الضوء في الواقع الحالك، باعتماد ألوان صاخبة ومتمردة ترسم مشاهد للمدينة أو لطبيعتها الخلابة. وتقول الفنانة إن معرض “لبنان، النور ينبثق من الظلام” جاء نتيجة تجربة شخصية خاصة جدا، فقد عادت الفنانة إلى لبنان من فرنسا يوم الخامس من أغسطس 2020، أي في اليوم الذي تلا وقوع الانفجار، لتجد منزلها الواقع قبالة الإهراءات الشهيرة شبه مدمر، وكل ما فيه متطاير في الأنحاء القريبة والبعيدة. فأدخلتها الحادثة ومشهد الدمار في صدمة نفسية قاسية، راحت الفنانة تبحث طوال أشهر عن طريقة لتجاوزها فلم تجد علاجا لها أفضل من ريشاتها وألوانها التي أعادت إليها رشدها وتوازنها وذكرتها بأن الخسارات المادية مهما عظمت تظل أهون كثيرا من خسارة النفس والحياة، وكل الخسارات قابلة للتعويض ما دام الإنسان حيا يرزق. Thumbnail وعمدت الفنانة ريتا الجميل إلى حمل الانفجار ومعالمه إلى داخل أعمالها، حيث لملمت بعضا من قطع الحطام الصغيرة المختارة بعناية من منزلها، وحتى من أماكن أخرى محاذية واحتفظت بها لفترة من الزمن قبل أن تجعل منها عناصر ملموسة تحضر بوضوح سافر في لوحاتها المصنوعة من القماش، وتحمل مدلولات رمزية فنية بعدما كانت جزءا من بنايات ومنازل لم تصمد في وجه الكارثة. وصحيح أن الفنانة لم تعش لحظة الانفجار، لكنها تشعر بالحزن نفسه الذي يكابد اللبنانيون لتجاوزه، فجاء حزنها انعكاسا في لوحاتها، لكنها رسمت أيضا لوحات أخرى عن مشاهد تنبض بالحياة بعضها يتعلّق بالمدينة، بيروت، وبعضها الآخر يصور جمال الطبيعة في لبنان بأسلوب تشكيلي بسيط وواضح. ويذكر أن الفنانة ريتا الجميل من مواليد لبنان، أكملت دراستها فيه حتى المرحلة الثانوية، قبل أن تنتقل إلى باريس لمواصلة دراستها. وهي مهندسة معمارية قادتها مسيرتها المهنية إلى قيادة شركات تلعب دورا رئيسيا في فرنسا. في معرضها الفردي السابق الذي حمل عنوان “أسفار.. إلى عالم آخر” والذي عرض في العام 2021، تناولت الفنانة أيضا انفجار مرفأ بيروت بلوحات امتزجت فيها الألوان بالزجاج المكسور، والمعادن ومواد جمعت من الأحياء المتضررة، وأضافت إليها مجموعة من اللوحات عن أسفارها ورحلاتها عبر الحضارات والثقافات المختلفة.
مشاركة :