المناضل الفلسطيني الكبير غسان كنفاني الذي عرفته

  • 8/9/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحل‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الذكرى‭ ‬الخمسين‭ ‬عاما‭ ‬لقيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬باغتيال‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬بزرع‭ ‬قنبلة‭ ‬في‭ ‬سيارته‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مقتله‭ ‬هو‭ ‬وابنة‭ ‬أخته‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬عاما‭. ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬فكرت‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني،‭ ‬وإسهاماته‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬التي‭ ‬أعددتها‭ ‬وتأثره‭ ‬في‭ ‬نظرتي‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭.‬ خلال‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لإجراء‭ ‬بحث‭ ‬حول‭ ‬نشأة‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬هناك‭ ‬التقيت‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭. ‬كادت‭ ‬تلك‭ ‬المواجهة‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭. ‬بينما‭ ‬كنت‭ ‬أنتظر‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬من‭ ‬محادثة‭ ‬هاتفية‭ ‬ساخنة،‭ ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬الحائط‭ ‬خلفه‭ ‬فلمحت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬قصاصات‭ ‬الصحف‭ ‬والصور‭ ‬والملصقات‭.‬ بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهى‭ ‬مكالمته،‭ ‬نظر‭ ‬إليّ‭ ‬وأشار‭ ‬باستخفاف‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬أميركي‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬ليجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‮»‬‭.‬ أشار‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬وراءه‭ ‬للتعبئة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬ضد‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬بغرور‭ ‬إنه‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬وأنضم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬والنضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭.‬ أذكر‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكتف‭ ‬يومها‭ ‬بالمغادرة،‭ ‬حيث‭ ‬أجبته‭ ‬باقتضاب‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬ناشطًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬المناهضة‭ ‬للحرب‭ ‬والحركة‭ ‬المدنية،‭ ‬وأنني‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ليس‭ ‬لأجد‭ ‬نفسي‭ ‬ولكن‭ ‬لإجراء‭ ‬بحث‭ ‬ضمن‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬التي‭ ‬أعددتها‭. ‬كنت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬الاتصال‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬المخيمات،‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬لغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يساعدني‭ ‬أو‭ ‬يرفض‭ ‬ذلك‭. ‬ لعل‭ ‬الأمر‭ ‬مرتبط‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬عملي‭ ‬المباشرة‭. ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬وآخرون‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬واجروا‭ ‬الاتصالات‭ ‬لتمكيني‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المخيمات‭. ‬قضيت‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬عين‭ ‬الحلوة‭ ‬حيث‭ ‬التقيت‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وسجّلت‭ ‬قصصهم‭ ‬ورأيت‭ ‬صورًا‭ ‬للمنازل‭ ‬التي‭ ‬تركوها‭ ‬وراءهم،‭ ‬وتحدثت‭ ‬عما‭ ‬يعنيه‭ ‬كونك‭ ‬فلسطينيًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭.‬ عندما‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬بيروت،‭ ‬أجريت‭ ‬عدة‭ ‬لقاءات‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬حيث‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬بصدد‭ ‬إعدادها‭. ‬أخبرته‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬حركات‭ ‬التنشيط‮»‬‭ ‬التي‭ ‬طورها‭ ‬أحد‭ ‬مستشاري،‭ ‬أنتوني‭ ‬ف‭. ‬والاس‭ ‬–‭ ‬وهي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالكيفية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬بها‭ ‬مجموعات‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬أصيبوا‭ ‬بصدمات‭ ‬نفسية‭ ‬بسبب‭ ‬الاضطراب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬تفكيرهم‭. ‬ وصف‭ ‬والاس،‭ ‬الذي‭ ‬درس‭ ‬الحركات‭ ‬الثورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأصلية،‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬تركيب‭ ‬متاهة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬الأنماط‭ ‬القديمة‭ ‬للفكر‭ ‬والهوية‭ ‬بإحساس‭ ‬جديد‭ ‬بالفهم‭ ‬الجماعي‭. ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬المثالي‭. ‬أما‭ ‬الحركات‭ ‬الأخرى‭ ‬فهي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬وتخطط‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لمستقبل‭ ‬تحولي‭ ‬تطلعي‭.‬ بعد‭ ‬الاستماع‭ ‬قال‭ ‬غسان‭: ‬‮«‬في‭ ‬المخيمات‭ ‬جربت‭ ‬النوع‭ ‬الأول‮»‬‭. ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬بسبب‭ ‬خسارتهم‭ ‬الفادحة،‭ ‬‮«‬قام‭ ‬اللاجئون‭ ‬بإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الرومانسي‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬وهم‭ ‬يريدون‭ ‬إعادة‭ ‬خلقه‮»‬‭. ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬صدى‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وجدته،‭ ‬مخيمات‭ ‬منظمة‭ ‬حول‭ ‬قراهم‭ ‬وحياة‭ ‬قريتهم‭ ‬وقصص‭ ‬نعيم‭ ‬رعوي‭ ‬يشبه‭ ‬الحلم‭.‬ بعد‭ ‬ذلك‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬‮«‬لفهم‭ ‬الفكر‭ ‬الثوري‭ ‬التطلعي،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭. ‬ستجد‭ ‬في‭ ‬شعرهم‭ ‬وسياساتهم‭ ‬المستقبل‭ ‬الفلسطيني‭. ‬إن‭ ‬رؤيتهم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستقودنا‮»‬‭.‬ أهداني‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬يومها‭ ‬كتباً‭ ‬شعرية‭ ‬لتوفيق‭ ‬زياد‭ ‬ومحمود‭ ‬درويش‭ ‬وسميح‭ ‬القاسم‭ ‬وآخرين،‭ ‬كما‭ ‬أجريت‭ ‬معه‭ ‬حوارا‭ ‬مطولا‭ (‬نشرته‭ ‬لاحقاً‭) ‬حول‭ ‬‮«‬دور‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭.‬ عدت‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬رسالتي‭ ‬الجامعية‭ ‬لنيل‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬كما‭ ‬واظبت‭ ‬على‭ ‬مراسلة‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭. ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أشهر،‭ ‬صُدم‭ ‬العالم‭ ‬بهجوم‭ ‬إرهابي‭ ‬مروع‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الأحمر‭ ‬الياباني‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬29‭ ‬سائحًا‭ ‬بريئًا‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬اللد‭ ‬الإسرائيلي‭.‬ عندما‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬المجلة‭ ‬التي‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬تحريرها‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬قد‭ ‬بشرت‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عمل‭ ‬ثوري‭ ‬بطولي،‭ ‬أصبت‭ ‬بالغثيان‭ ‬وكتبت‭ ‬له‭ ‬بغضب‭ ‬منددا‭ ‬بالمجزرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬ومثيرة‭ ‬للاشمئزاز‭ ‬كما‭ ‬أدنت‭ ‬دعم‭ ‬المجلة‭ ‬لها‭.‬ لا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رأى‭ ‬رسالتي‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لأن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬اغتالوه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بوقت‭ ‬قصير‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الغرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الإرهابي‭ ‬كان‭ ‬مروعاً‭.‬ لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬والعلاقة‭ ‬القصيرة‭ ‬والمتضاربة‭ ‬التي‭ ‬ربطتني‭ ‬وكنت‭ ‬محظوظًا‭ ‬بها‭. ‬كان‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬هو‭ ‬وجيله‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عميقاً‭.‬ ما‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لو‭ ‬استجاب‭ ‬العالم‭ ‬لدعوتهم‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬لفلسطين‭ - ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬الصدمات‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬الوجود‭ ‬الفلسطيني‭ - ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تطبق‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬إحساسًا‭ ‬متضاربًا‭ ‬بالأخلاق‭ ‬على‭ ‬عنف‭ ‬المقاومة‭ ‬وعنف‭ ‬النكبة‭ ‬وما‭ ‬أعقبها‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬الاحتلال؟‭ ‬لن‭ ‬نعرف‭ ‬أبدًا،‭ ‬لكنني‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬لايزال‭ ‬حيا‭ ‬معنا‭ ‬حتى‭ ‬أجري‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭. ‬ { رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

مشاركة :