حاولت الولايات المتحدة، على مدى عقود طويلة، تهدئة مخاوف روسيا الأمنية وتطمينها على حساب علاقاتها مع شركائها في أوروبا الشرقية وأوكرانيا على وجه الخصوص. ووفق تقرير لمجلة فورين أفيرز، بُنيت السياسةُ الأمريكية طوال العقود الماضية، على آمال علاقةٍ جيدة مع الكرملين، ومخاوفَ من التحول إلى حرب باردة أخرى أو ما هو أكثرُ من ذلك. واعتبر التقريرُ أن هذه السياسة كانت على حساب مصالحِ الأمنِ القومي وأمنِ الحلفاء من جيران روسيا، ففي عام 1991 سعت واشنطن إلى الحفاظ على الاتحاد السوفيتي المتهاوي خوفًا من انهياره بدلا من دعم تحركات استقلال أوكرانيا التي استقلت بالفعل بعد ذلك. واستنادا لمخاوفَ من انتشار الدول الحائزة للأسلحة النووية حال تفتت السوفييت، رفض بوش الأب في خطاب لن ينساه الأوكرانيون دعمَ حق هذا البلد في تقرير المصير محذرا مما سماها القوميةَ الانتحارية متماشيا مع الرغبة الروسية. وتجنباً لاستفزاز موسكو اعترفت الولايات المتحدة ضمنيًا بنفوذ روسيا في الفضاء الجيوسياسي لما بعدَ الاتحاد السوفيتي في أوكرانيا، لتحقيق التوازن بين أهدافها في أوكرانيا وحاجتها إلى تعاون روسيا. ولم تتغير السياسة الأمريكية بالتودد لروسيا وتقدير مخاوفها، حتى عندما تدخلت روسيا في انتخابات أوكرانيا عام 2004 وعندما غزت روسيا جورجيا عام 2008 واكتفت ببعض الحديث بالإدانات لكن دون أي إجراءات. وبالنسبة لإدارة الرئيس الحالي جو بايدن فترى فورين أفيرز أنها تعمل على تقييم مخاطرِ الحرب الروسية في أوكرانيا وفق العواقب الداخلية الروسية للصراع أكثرَ من التركيز على العواقب بالنسبة لأوكرانيا نفسِها. ومن هذه المعطيات يُبرز التقرير أن أمريكا خدعت نفسها بشراكة استراتيجية مع روسيا متجاهلة تحذيرات الشركاء في دول البلطيق وأوروبا الشرقية من رغبة روسية بالاستبداد.. بل ورفضت واشنطن التقدم الديمقراطي في أوكرانيا في أعقاب تصاعد الحركات المؤيدة للديمقراطية بين عامي 2004 – 2014 تحت مبرر جذب روسيا كعضو مسؤول في المجتمع الدولي سيسمح بإرساء الديمقراطية في المنطقة وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي استبعد المؤثرون في الأمن القومي الأمريكي أي خطر محتمل لروسيا على حلفائها في أوكرانيا وأوروبا الشرقية ويقول التقرير إنه في عام 1989 أنشأ كبار أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الأب مجموعة سرية من الوكالات المشتركة للتخطيط للطوارئ فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية المحتملة في حالة حل محتمل للاتحاد السوفيتي والبقاء على العلاقات الجيدة مع السوفييت ووجدت المجموعة ثلاثة تهديدات قد تواجهها واشنطن عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وهي انتشار الدول الحائزة للأسلحة النووية وبيع المواد الانشطارية لدول لديها برامج أسلحة نووية سرية؛ والولاءات المتضاربة في الجيش السوفيتي التي قد تؤدي إلى حرب أهلية في الجمهوريات المستقلة حديثًا لذا سعت الولايات المتحدة إلى نزع السلاح النووي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والشراكة مع حكومة روسية مركزية في موسكو لتجنب النزاعات العرقية والسيطرة على الترسانة السوفيتية السابقة وهنا رأى الأوكرانيون أن تفضيل بوش الصريح لبقاء الاتحاد السوفيتي واستعداده لرفض التطلعات الأوكرانية في إقامة دولة مستقلة كان إخفاقات رمزية ومؤشرات عملية على المكان الذي سقطت فيه أوكرانيا في التسلسل الهرمي في العلاقات الأمريكية فبين وجوب أن تنتهز واشنطن الفرصة لتقويض منافس لها من القوى العظمى وتوسيع نطاق الديمقراطية والمؤسسات الأمنية الغربية إلى الشرق، وأخرى بالإبقاء على حالة الاحتواء للاتحاد السوفييتي وروسيا من خلفه ظلت السياسة الأمريكية في تلك المرحلة مترنحة. وعلى ما يبدو بالنسبة لروسيا بنى الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما سياساتهم الإقليمية حول آمالهم في علاقة تعاونية ومخاوفهم من حرب باردة أخرى كانت الولايات المتحدة متناقضة إلى حد كبير تجاه أوكرانيا فخلال حقبة كلينتون، بذلت الولايات المتحدة دفعة واضحة لإرساء الديمقراطية ونزع السلاح النووي. وبمجرد تحقيق نزع السلاح النووي تراجع الزخم الأمريكي بموضوع الديمقراطية وخلال فترة ولاية كلينتون الثانية وأثناء إدارتي بوش وأوباما، تحولت الولايات المتحدة بعيدًا عن كييف واتجهت نحو التعاون مع موسكو. ويؤكد التقرير أن خطأ واشنطن يكمن في الاستمرار بالسعي لهدف علاقة متبادلة المنفعة بموسكو مع عدم وجود فرصة واقعية للنجاح ويرى الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، الدكتور رولاند بيجاموف، عبر برنامج مدار الغد، أن أوكرانيا كانت من ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي ولم تكن ترغب في الاستقلال وشعبها صوت في الاستفتاء للحفاظ على الاتحاد السوفيتي، وأن الولايات المتحدة في ذلك الوقت كانت تراهن على جورباتشوف كرئيس الدولة العظمى وكان غير مهتم بتقسيم الاتحاد السوفيتي على الرغم من تعاطفه مع النزعات الانفصالية. وأضاف الباحث أن الاتجاه السائد وقتها في الولايات المتحدة كان الحفاظ على الاتحاد السوفيتي كشريك واحد بقدر الإمكان وعدم تشجيع الحركات الانفصالية. وأعرب الكاتب عدم اتفاقه مع المقال، باعتبار أن أوكرانيا وقت تفكك الاتحاد السوفيتي لم تكن حليفا للولايات المتحدة. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> ويرى الخبير الاستراتيجي كريج كاتز من شيكاغو، عبر برنامج مدار الغد، أن روسيا أظهرت أنها سوف تحاول أن تثير قلق في أوروبا وبالتالي ليست أوكرانيا فقط هي الخطوة الأولى ستكون هناك خطوات تالية، مشيرا إلى أنه بعد ضم أوكرانيا ستكون هناك محاولات لضم دول أخرى في المنطقة. وقال الخبير الاستراتيجي، إن الدول الغربية بدعم من الولايات المتحدة اتفقوا على عدم السماح لروسيا بأن تستمر في هذا الأسلوب الاستعماري ومحاولة احتلال دول أخرى وفرض الواقع عليها. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> وقال ماتياس بروغمان رئيس تحرير صحيفة هندسبلات، عبر برنامج مدار الغد، «عندما ننظر على الصعيد العالمي منذ عام 1991 وحتى الآن، تجد أن روسيا نفسها هي التي انقسمت إلى عدة دول، وأن الرئيس يلتسين في ذلك الوقت هو الذي عمل على التقسيم، وبوتين هو الذي جعل روسيا ضعيفة بسبب فساد نظامه وإجبار الدول على إضعاف اقتصادها لأنهم يسرقون قدر المستطاع من هذه الاقتصادات». وأضاف بروغمان: «روسيا ليست مهمة من الناحية الجيوسياسية كما كان يمكن أن تكون، روسيا أضعفت نفسها بنفسها والنفوذ المتزايد للصين كان له أثر في ذلك». frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen>
مشاركة :