هاجم رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الثلاثاء رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ضمنيا، لرفضه حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة قبل عودة المجلس إلى الانعقاد، بتجديد رفضه تسلم من أسماهم الفاسدين لمقاليد الحكم في العراق، وهو ما يؤشر على حجم العداوة بين الخصمين السياسيين، ويضع العراق بين فكي أزمة سياسية لن تنفرج في ظل تمسك كل منهما بشروطه. ويأتي هذا في الوقت الذي دخل فيه اعتصام مناصري زعيم التيار الصدري، الخصم الأبرز للمالكي، أسبوعه الثاني في باحات البرلمان للمطالبة بحل مجلس النواب العراقي وإجراء انتخابات برلمانية جديدة. واقتحم مناصرو مقتدى الصدر أواخر يوليو المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد ودخلوا البرلمان، قبل أن ينقلوا اعتصامهم إلى محيطه. وبلغت الأزمة السياسية في العراق ذروتها مع رفض الصدر لمرشح خصومه في الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء. ورفع الصدر من مستوى الضغط على خصومه معتمدا على قدرته على تعبئة الشارع، داعيا إياهم الأربعاء إلى حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. وقال الصدر على تويتر بمناسبة ذكرى عاشوراء التي يحييها المسلمون الشيعة الثلاثاء "قسما بدمائك يا حيدر وبشبلك محزوز المنحر.. تالله لا يحكم فينا (الفاسد) ومثلي لا يبايع (الفساد) أفلا من ناصر ينصرنا؟". ويرفع الصدر شعار محاربة الفساد لتبرير اعتراضه على تولي الإطار التنسيقي دفة العملية السياسية، بعد انسحابه منها في يونيو، لكن مراقبين ونشطاء عراقيين يرون أن نوازع السيطرة والهيمنة خلف تصعيد الصدر، وأنه ليس بأفضل من خصومه السياسيين. ويحاول الصدر فرض رؤيته للتسوية السياسية في العراق، الأمر الذي يضع قوى الإطار التنسيقي في موقف صعب بين القبول بشروطه، وهو ما سيظهرها في ثوب الطرف الضعيف، وبين تحدّيه، وهذا سيقود إلى بقاء الأزمة مفتوحة على سيناريوهات سيئة. ولتقديم نفسه كمنقذ للعراق في خضم أزمة هو جزء منها، أعلن الصدر الاثنين مقترحا لتشكيل حكومة عراقية لا تضم تياره ولا ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، كمخرج لحالة الجمود السياسي. ونقلت وكالة شفق نيوز الكردية - العراقية عن مصدر سياسي مطلع قوله إن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أوصل رسائل إلى قوى الإطار التنسيقي، تضمنت مقترحا يهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية في العراق، من خلال تشكيل حكومة جديدة دون مشاركة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وعدم مشاركة التيار الصدري فيها". وتابع "مهام الحكومة تكون لمدة سنة واحدة فقط تتولى خلالها الإعداد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في شهر سبتمبر من العام المقبل، ويكون رئيس الحكومة توافقيا ما بين التيار الصدري والإطار التنسيقي". وبحسب المصدر ذاته لم يتلق الصدر بعد ردا من قوى الإطار التنسيقي التي تضم كبرى الأحزاب الشيعية، من بينها عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وكتلتا الفتح والنصر بزعامة كل من هادي العامري وحيدر العبادي. لكن الرد جاءه من خصمه المالكي الذي رفض حل مجلس النواب العراقي، وإجراء انتخابات مبكرة، إلا بعد عودة المجلس إلى الانعقاد بشكل طبيعي، فيما كان الإطار التنسيقي قد اشترط كذلك الخميس بشكل غير مباشر إنهاء الاعتصام وإخلاء البرلمان قبل المضي بانتخابات جديدة. واعتبر المالكي الاثنين في كلمته أنه "لا يمكن أن تفرض إرادة عليه (العراق) إلا إرادة كامل الشعب وعبر مؤسساته الدستورية التي يمثلها مجلس النواب المنتخب". وأضاف "فلا حل للبرلمان ولا تغيير للنظام ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة المجلس إلى الانعقاد، وهو الذي يناقش هذه المطالب وما يقرره نمضي به، لأن العراق نظامه أمانة في أعناقنا جميعا والعراق لا يخدمه إلا الالتزام بالقانون والدستور". ولا يبدو مع زخم تحركات الصدر وتمسك الإطار التنسيقي بمواقفه، أي مؤشر على حلحلة الأزمة التي طبعت حالة من الانسداد الخانق ووضعا شديد التعقيد والحساسية. ويشهد العراق منذ نحو عشرة أشهر انسدادا سياسيا على خلفية تباين مواقف التيار الصدري والإطار التنسيقي، الذي يشكل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران، حول طبيعة الحكومة المقبلة وشكلها. وقام الصدر في خطوة مفاجئة في يونيو الماضي بإعلان انسحابه من العملية السياسية وتقديم كتلته استقالتها من البرلمان، قبل أن يتحرك لحشد أنصاره والنزول بثقله إلى الشارع. ويرى مراقبون أن تحريك الزعيم الشيعي لأنصاره يشكل الورقة الأخيرة في جعبته في مواجهة خصومه من الإطار، ولاسيما نوري المالكي، مشيرين إلى أن فرص نجاح تمرير هذه الورقة وفرض واقع جديد متمثل في الانتخابات من عدمها تبدو متساوية. ويوضح هؤلاء أن قادة الإطار قد يعمدون إلى الالتفاف على مطالب الصدر بتبني سياسة النفس الطويل، والرهان على إضعاف إرادة أنصار الصدر مع طول فترة الاعتصام، وقد يكون ذلك من الدوافع التي جعلت الصدر يتحرك لاستقطاب المزيد من أطياف الشعب، ولاسيما المشاركين في احتجاجات 2019، الذين يرفض عدد كبير منهم الانخراط في لعبة لي الذرع الجارية. ولا يزال العراق منذ الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر 2021، في شلل سياسي تام مع العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. وأفرزت الانتخابات برلمانا مشرذما، لا يملك فيه أي طرف غالبية مطلقة، وشغل فيه تيار الصدر 73 مقعدا من أصل 329. وتجري العادة في العراق أن تتوصل أطراف "البيت الشيعي" المهيمنة على المشهد السياسي منذ العام 2003، إلى توافق فيما بينها على اسم رئيس للحكومة. لكن الأطراف السياسية أخفقت هذه المرة في تحقيق ذلك بعد أشهر طويلة من المفاوضات. ويكمن الخلاف الأساسي بين الطرفين في أن التيار الصدري أراد حكومة "أغلبية وطنية" بتحالف مع السنة والأكراد، في حين أراد خصومه في الإطار التنسيقي الإبقاء على الصيغة التوافقية.
مشاركة :