شيع آلاف الفلسطينيين في أجواء غاضبة وحزينة جثامين ثلاثة فلسطينيين، أحدهم قائد ميداني في كتائب الأقصى الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، قتلوا اليوم (الثلاثاء) في عملية للجيش الإسرائيلي بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية جاءت بعد موجة توتر دامية في قطاع غزة. والقتلى الثلاثة هم إبراهيم النابلسي (26 عاما) وهو قائد ميداني في كتائب الأقصى نجا من عدة محاولات سابقة نفذها الجيش الإسرائيلي في نابلس سابقا، وإسلام صبوح (25 عاما) وحسين طه (16 عاما). وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان صحفي، إنه "في ختام عملية مطاردة مشتركة لفرقة مكافحة الإرهاب (اليمام) وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وقوات حرس الحدود والجيش، قتل النابلسي في نابلس"، متهما إياه بارتكاب عدة هجمات ضد مدنيين وجنود في المدينة. وذكر البيان أن القوات أطلقت النار على عدد من "الإرهابيين ومن بينهم المطلوب الذي أطلق النار على القوات من منزل كان متحصنا فيه مع إرهابيين آخرين". وتابع أن قوات الجيش أطلقت النار على المنزل واستخدمت وسائل خاصة من بينها صواريخ محمولة على الكتف، حيث "تم القضاء على النابلسي مع إرهابي آخر كان مقيما بالمنزل". وانطلق موكب تشييع الفلسطينيين الثلاثة، والتي لفت جثامينهم بالعلم الفلسطيني، من مستشفى (رفيديا) الحكومي في نابلس ومن ثم إلى المقبرة الشرقية في المدينة حيث جرى دفنهم. وتقدمت والدة النابلسي المشاركين في الجنازة، والذين وصل بعضهم من مدن أخرى في الضفة الغربية. ورفع بعض المشاركون الأعلام الفلسطينية ورددوا هتافات تدعو إلى "الثأر من إسرائيل على الجريمة"، فيما أطلق عشرات المسلحين الملثمين من أصدقاء النابلسي، الرصاص في الهواء حزنا على فراقه. وقالت أم إبراهيم المكلومة على فراق نجلها إن "إبراهيم طخوه (ضرب بالنار) لكن في (يوجد) 100 غيره، كلكم أولادي". وأضافت أن "إبراهيم انتصر الحمد لله، إبراهيم الحر وهبته لفلسطين والمسجد الأقصى ولله الواحد الأحد". وبرز اسم النابلسي بعد نجاته من محاولة اغتيال في فبراير الماضي، عندما هاجمت قوات خاصة إسرائيلية، سيارة في نابلس كان يعتقد أنه بداخلها، لكنه غادرها قبل دقائق، وقتل خلال العملية عدد من رفاقه. وقال والده للصحفيين إن "إبراهيم كان مطاردا للجيش الإسرائيلي وشارك في التصدي لعمليات اقتحام القوات الإسرائيلية للمدينة مرارا وتكرارا"، مشيرا إلى أن هذا "مصير كل إنسان حر وشريف وبندقيته شريفة". ودعا الوالد بينما كان يلتف حوله عشرات الشبان، "الأجيال الفلسطينية الصاعدة" إلى "حمل رسالة المقاومة، لأن فلسطين لا تتحرر بالحلول السلمية بسبب الحكومات الإسرائيلية المتطرفة". وأعلنت كتائب الأقصى، في بيان، أن النابلسي أحد قادتها في نابلس، مشيرة إلى أن "الرد على الجريمة لن يكون له حدود وليتحمل الاحتلال نتائج عدوانه". وعم الإضراب الشامل عدة مدن في الضفة الغربية وأغلقت المحال التجارية أبوابها حدادا على أرواح الشبان الثلاثة النابلسي وصبوح وطه، فيما توجه عشرات الشبان إلى مناطق التماس مع قوات الجيش الإسرائيلي واشتبكوا معهم بإلقاء الحجارة وإشعال إطارات السيارات. وأفادت مصادر محلية وشهود عيان بأن قوات الجيش ردت بإطلاق الرصاص الحي والأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه الشبان، ما أسفر عن إصابة عدد منهم بجروح. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن إسرائيل تقترب من المواجهة الشاملة مع الشعب الفلسطيني بأسره، من خلال "عدوانها الشامل الذي بدأ من القدس، ومن ثم امتد إلى جنين، وغزة، واليوم في نابلس". وذكر أبو ردينة، في بيان، أن الحكومة الإسرائيلية "غير معنية بتحقيق الهدوء والاستقرار، وتعمل على استباحة الدم الفلسطيني، واستغلاله، لتحقيق مكاسب في السياسة الداخلية الإسرائيلية". وانتقد أبو ردينة المواقف الأمريكية التى ترى أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، مؤكدا أنها "مرفوضة وغير مقبولة، لأن إسرائيل هي المعتدية وهي التي تحتل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 التي يعترف العالم بها". من جهته، حذر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية من التبعات الخطيرة المترتبة على "مجزرة" نابلس، مطالبا بتحرك الضمير العالمي لاتخاذ إجراءات توقف "نزيف الدماء الذي ما ان يتوقف في منطقة، حتى ينفتح في أخرى، مخلفا المزيد من الآلام والأوجاع التي يعاني منها ِشعبنا منذ أكثر من 74 عاما". ودعا اشتية، في بيان، مجلس الأمن الدولي إلى "كسر المعايير المزدوجة في التعامل مع القوانين الدولية والمبادرة لاتخاذ إجراءات عملية، توازي بقوتها تلك التي اتخذت في أوكرانيا، لمعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه المتكررة، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني بإجراءات تتجاوز لغة الشجب والاستنكار". وقالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية إن "شعور إسرائيل بالحصانة والحماية يشجعها على التمادي في تعميق عدوانها وتصعيدها المتعمد للأوضاع في ساحة الصراع بهدف فرض المنطق العسكري الأمني في التعامل مع قضايا الشعب الفلسطيني بديلاً للحلول السياسية للصراع". وحملت الوزارة، في بيان، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن "هذه الجريمة البشعة ومخاطرها على ساحة الصراع ونتائجها الكارثية على فرصة إحياء عملية السلام". وأشار البيان إلى أن الوزارة تتابع ما جرى في نابلس مع المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة لمطالبتها "بمحاسبة إسرائيل على جرائمها المتواصلة ووقف سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا والصراعات والأزمات الدولية". كما شددت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) و(الجهاد الإسلامي)، في بيانين منفصلين، على أن "دماء النابلسي وصبوح وطه لن تذهب هدرا، وستبقى وقود ثورة تطارد الاحتلال في كل مكان وزمان". وجاءت عملية الجيش الإسرائيلي في نابلس بعد يومين من إنتهاء عملية عسكرية إسرائيلية دامية ضد الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، أسفرت عن مقتل 45 فلسطينيا بينهم 16 طفلا و4 سيدات وإصابة أكثر من 350 بجروح، بحسب مصادر فلسطينية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، بحسب ما نشرت الإذاعة العبرية، إن "القضاء على النابلسي خطوة أخرى في حربنا التي لا هوادة فيها ضد الإرهاب"، مشيدا بالعمل المشترك للأجهزة الأمنية الذي نتج عنه "عمل هادف وحقق نجاحا كبيرا وبدون خسائر". بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في بيان صدر عن مكتبه، "سنواصل العمل في كل مكان بشكل مركز وقوي ضد الإرهاب وضد كل من يهدد أمن مواطني إسرائيل".
مشاركة :